برامج 'التوك شو' عفاريت فضائية تسكن الأقمار الصناعية! تطارد المسؤولين في الكوابيس والأحلام:

برامج 'التوك شو' عفاريت فضائية تسكن الأقمار الصناعية!
تطارد المسؤولين في الكوابيس والأحلام

القاهرة - 'القدس العربي' - من كمال القاضي:

خلال ثلاثة أشهر فقط تمكنت ميليشيات الإعلام الحكومي من تصفية عدد من برامج 'التوك شو' اشتهرت بمناقشتها للقضايا الحساسة ودخل القائمون عليها في العمق ووصلوا الى ما بعد الراية السوداء، حيث المناطق المحظورة التي ما إن تجاوزها أي سباح ظن في نفسه المهارة إلا وغرق على الفور ولم يظهر له اثر بعد أن كان ملء السمع والبصر يثير الغبار في وجوه أصحاب السيادة والريادة والمعالي، ولكي لا تصبح عمليات استئصال البرامج الحوارية مكشوفة وتمثل ضربة قاتلة للمشروع الديمقراطي المنتظر جرت التصفيات على مراحل ووضعت خطة سريعة للأجندة البديلة لتبرير المذابح ووقائع الاغتيال فكل شيء لابد وأن يكون منطقياً فقد باتت هناك صلة وطيدة بين تلك البرامج والرأي العام فقطاع كبير من الجمهور اتخذها نوافذ للصراخ والاستغاثة، ومن ثم تعالت الأصوات وفاحت الروائح الكريهة ولم يعد يجدي تهديدا أو وعيدا فالأصداء تصل على الهواء مباشرة بسرعة الضوء إلى العالم كله ولم يكن ذلك في الحسبان عندما تأسست القنوات الفضائية وأطلقت الأقمار الصناعية في عنان السموات المفتوحة، الأمر الذي وضع الخبراء الإعلاميين في 'حيص بيص' فهم الذين حضروا العفريت الفضائي ولم يستطيعوا أن يصرفوه، ومن ثم كان الجزاء من جنس العمل فما زرعوه قد حصدوه فالهدف كان الاستثمار والعمولات والأرباح والمكاسب الباهظة، أما الديمقراطية فلم تكن سوى ستار شرعي يخفي تحته المستفيدون الكبار مشاريعهم الحقيقية، وبالفعل تعددت القنوات والغاية واحدة، لقد بدأت مسيرة الإعلام المبروكة بمصر عام 2001 وتم الاتفاق على ما يسمى بميثاق الشرف الإعلامي الذي يحظر على القنوات الخاصة التابعة لمنظومة 'نايل سات' الكلام في الدين أو السياسة أو الجنس في محاولة للسيطرة على العملية الإعلامية والحد من إنفلات بعض القنوات، وبرغم أن الميثاق وضع بالفعل ووقع عليه أصحاب القنوات إلا أن فرضيات العمل الإعلامي الحقيقي كسرت القاعدة وتجاوزت نصوص الميثاق، بل وعبرت كل الخطوط الحمراء فعجزت غرف التحكم وأصحابها عن السيطرة على عجلة الدوران الإعلامية التي كانت قد بدأت دورانها ذاتيا بعد الدفعة الأولى، هذا هو أصل الموضوع الذي كان سببا لنتائج يعاني منها المسؤولون الحكوميون الآن بعد ان انفرط منهم العقد وتناثرت حباته وكان الحل الوحيد من وجهة نظرهم هو إلغاء البرامج وإغلاق نوافذ التنفس، ولم يكذب أصحاب القرار والأمر والنهي خبرا وسارعوا في اتخاذ الإجراءات العاجلة لخنق هامش الحرية وكانت البداية من قناة الـ 'on.t.v' حيث أعطيت الإشارة الحمراء لأصحاب القناة بالتصريح أو التلميح أو الضغط فتم تسريح نسبة كبيرة من أهم الكفاءات والكوادر العاملة بها على خلفية أن هناك أزمة مالية وعجز في الميزانية يستدعي تقليل النفقات، وبدل من أن تسعى القناة الإخبارية لزيادة مواردها والإبقاء على ثروتها البشرية نفذت الأوامر وفصلت العاملين أو قامت بإلغاء برامجهم لينعدم مبرر وجودهم، ونجحت الخطة وكان برنامج 'صباحك يا مصر' الذي ترأس تحريره طوال فترة إذاعته الصحافي هشام أبو المكارم أول الضحايا فقد ضربت يد خفية 'كرسي في الكلوب' وأظلم صباح مصر المشرق على قناة 'on.t.v' وودع العاملون بالبرنامج مواقعهم بغير رجعة وتنازلوا عن إنجازهم الإعلامي بسهولة ويسر!

ومضت الأيام تلو الأيام والرهان معقود على برنامج 'بالمصري الفصيح' الذي تقدمه الإعلامية الناجحة ريم ماجد وتتخير فيه ما لذ وطاب من الأخبار والتقارير وهي تجوب عبر كتيبة من المراسلين ربوع مصر المحروسة من شرقها إلى غربها وتدعم بالصور ما حصلت عليه من معلومات هي في أغلب الاحيان تتصل بقضايا فساد وتجاوزات قانونية أو جرائم سرقة وقتل وخلافه، ولم تفوت ريم فرصة مناسبة إلا واستضافت مسؤولا لتحاوره وتناوره وتلقي معه الضوء على المناطق المعتمة في الطرق الوعرة للسياسات والمنجزات الحكومية، غير أنها اعتادت أن تختم حلقتها اليومية بمقطوعة زجلية نقدية خفيفة الظل على المشاهد ثقيلة الوقع على المعنيين بها، ولما طال الكلام عن الفساد والمفسدين ولم يعد بمقدور ريم ماجد السكوت عن الحق وتحولها الى شيطان أخرس أتى الحل السحري مرة أخرى، إنهاء دورة البرنامج البالغ من العمر عشرة شهور عند هذا الحد، والحجة جاهزة إعادة التطوير والبحث عن أفكار جديدة كما لو كانت الأخبار التي أذاعتها الإعلامية المذكورة منتهية الصلاحية وروافد الأحداث والأخبار الطازجة قد انقطعت فجأة!

البرنامج الثالث وهو الأكثر انتشارا بين كل برامج 'التوك شو' برنامج 'البيت بيتك'، هذا الذي احتفى به الجمهور التليفزيوني منذ أن قرره وزير الإعلام السابق ممدوح البلتاجي وأولاه اهتماما خاصا ليكون نافذة حقيقية على مصر الأخرى التي لا يعرفها المسؤولون الكبار، وبالفعل فتحت النافذة وبدأ نشاط البرنامج بشكل حيوي حتى بعد أن ترك البلتاجي موقعه كوزير للإعلام وتم الاستعانة بالكاتب الصحافي محمود سعد الذي اضاف الكثير من خبراته في إدارة الحوار الإنساني البناء مع الضيوف من الشخصيات العامة والرسمية، وقد زاد من جماهيريته وشعبيته فقرة الخدمات التي قيل أنها كانت سببا مباشرا في حدوث بعض الإرهاصات ما أدى الى تغيير اسم البرنامج الى اسمه الحالي 'مصر النهاردة' مع ضبط ايقاعه السياسي وحذف فقرة الخدمات الخيرية حتى لا يتحول محمود سعد الذي كانت تنتظره جماهير الغلابة وأصحاب المصالح امام باب التليفزيون الى بطل قومي حيث صعود أسهم سعد عند الفقراء ربما يتسبب في هبوط اسهم الاقتصاد المصري في البورصة العالمية فلكل نجاح سقف ولكل سقف مقاس وليس مسموحا لأي شخص بتغيير هذه المقاييس!

يستثنى من هذه الحسبة برنامجين مهمين، الأول هو 'العاشرة مساء' لمقدمته منى الشاذلي، الإعلامية التي تعمل ذكاءها في كل كبيرة وصغيرة وتدير دفة الحوار بحكمة متناهية فهي معارضة عندما يكون الضوء أخضر 'فاقع' ومثالية وحيادية حيث يعلو الموج فلا تستطيع أن تواجهه برأسها أو تسير في الاتجاه المعاكس فليس لديها استعداد أن تضحي ببرنامجها الذي ينتظره الملايين من أجل بطولة زائفة، لذلك فهي تمسك بالعصا من المنتصف وتحافظ على توازنها فوق القمة بين اكثر من 20 برنامجا يتسابقون في 'تراك' واحد.

أما 'واحد من الناس' فهو البرنامج الثاني المنافس بقوة والحاصل على جائزة اليونسكو لاعتبارات تتصل بطبيعته الإنسانية والاجتماعية وليس لتفوق مقدمه عمرو الليثي في اختيار القضايا أو شجاعته المفرطة في المواجهة، الامتياز الذي حصل عليه البرنامج له بعد ثالث يكمن في مهارة اختراق المناطق العشوائية الوعرة وكشفها عبر عدسات الكاميرا أمام اعين المراقبين الدوليين لحركة التنمية في مصر والتي أكد البرنامج أنها لا تعدو أكثر من حبر على ورق ومجرد كلام ليل مدهون بزبدة لمسؤولين لا تكلفهم التصريحات أكثر من بضعة دقائق من الوقت، وأتصور أن برنامجا واحدا من الناس كان هو النظارة المعظمة التي لبستها منظمة اليونسكو لترى بها مصر كما تريد أن تراها، مصر الفقيرة المعدمة البائسة وهذه بالطبع ليست رؤية مجافية للحقيقة ولكن اليونسكو ليست هي الحكم العدل وهناك للغرب دائما مآرب أخرى.

بقي ان نشير الى برامج لها ذات الخصوصية والأهمية لا تزال تؤدي دورها القتالي على أكمل وجه ونخشى عليها من الانتحار أو الاغتيال، من بينها برنامج '90 دقيقة' لمعتز الدمرداش و'مانشيت' للصحافي جابر القرموطوي، فالأول يذاع على قناة 'المحور' والثاني على القناة سالفة الذكر الـ ' on.t.v' وكلاهما له صدى واسع على الساحة الإعلامية وفي الشارع المصري، وبين ما بدأنا به من عناوين وبرامج وشخصيات وما مررنا عليه مرور الكرام توجد نوعيات ومسوخ إعلامية ليس لها موقع من الإعراب ندير محطاتها بمجرد أن تطالعنا مذيعاتها على الشاشة ويبادرننا بأحاديثهن السطحية عما جرى خلال '48' أو 24 أو 72 ساعة من أحداث ووقائع فكل المواقيت واحدة وكل الأخبار متشابهة، لا فرق!

» جريدة الشروق : برامج التوك شو ترفع شعار الحيادية بقدر المستطاع ..
» برامج التوك شو
» خناقة برامج التوك شو على مهاتير ؟؟؟!!!!!
» كواليس الهواء في برامج التوك شو ...جريدة الشروق
» استطلاع للرأي حول برامج «التوك شو» يظهر أن محمود سعد ومني الشاذلي هما الأفضل