كنت أحب أن أطرح هذا الموضوع في موضوع التعليق اليومي ، ولكن وجدت أن الموضوع يستحق توسعة وتسليطا للضوء أكثر ليس على الفيلم المسمى ( حين ميسرة ) ، ولكن تسليطا على واقعنا وأسلوب تفكيرنا الذي لا يعرف اشارة البدء ولا مسار الاتجاه ولا نتيجة الوصول ، واذا أخذنا هذا الفيلم نموذجا لرصد تفكيرنا وأساليب حكمنا على الواقع وطرح حلوله ، سيتبين لنا الكثير وقد يريحنا من وجع الحيرة التي تصيبنا عندما نتعرض لشئ نحبه جدا ولكن نظهر كرها له ، نريده ليس كله ولكن الاحتة ، ، الذي أكاد أجزم أن كل من تكلم يقنعك ولكن ترفس فكره عندما يتكلم الآخر ، وتسأل نفسك أنا مع من ؟ ولكن لابد أن أفهم الأخرين وأستوعبهم حتى أفهم نفسي وأحدد موقعي :
اذا قرأت مقال أحمد المسلماني يثير فيك قابليلة الاقتناع بما يقول :
سينما اليسار
بقلم أحمد المسلماني ٣١/١٢/٢٠٠٧
لست واحدا من يقدرون اليسار في مصر، وظني أن اليسار المصري قد أضر كثيرا بالتطور السياسي والاقتصادي في البلاد.
وربما أكون مغاليا فيما أري وأقدر، لكنني أجدني ذاهبا في عدم القبول من اليسار السياسي إلي اليسار الثقافي.. لا أجد منطقا يحكم إبداعات اليسار في الفنون، ولا أظن أن اليسار الفني قد ساهم في تحقيق رسالة ذات قيمة أو قيمة لها رسالة.
أقول هذا في مناسبة موجة أفلام اليسار التي تتصدر السينما المصرية الآن، وهي موجة في مدرسة لها أستاذ وتلميذ ومريدون.
تأخذ المدرسة شرعيتها من نقد الحكومة والسلطة والنظام، وإظهار معركة عنيفة مع الشرطة والأمن، كما تزيد من شرعيتها بممالأة المثقفين، ونفاق المستقلين، والاحتماء بصداقات كثير من المعارضين وقليل من المناضلين.
ثم تصل الشرعية منتهاها، بنقل أوضاع الفقراء والبائسين، من سكان العشوائيات إلي أطفال الشوارع.. وهو استثمار كفء وبارع لأوجاع الناس وأوضاع البشر.. وهو استثمار عادة ما ينتهي بالثورة أو لا ينتهي بشيء، وما بين الثورة والغموض، يهيم النقاد عشقا بما كان من حكايا السلطة والثورة.
لقد تأملت كثيرا ما تعرضه «سينما اليسار» في مصر الآن ـ لم أجد ما يقوله المعجبون ولا المبهورون.
وجدت جهلا بالقضايا السياسية، وضحالة في المعرفة الاجتماعية، والتباسا فيما يوجب الوضوح، ووقاحة فيما يتوجب الستر.
وجدت تدهورا في اللغة، وانحطاطا في الألفاظ، كتلة ضخمة من قذارة المفردات وإسفاف العلاقات.
وجدت ادعاءً واضحا بالمعرفة الموسوعية بالدين والدنيا، بالمجتمع والدولة، بالأوضاع الإقليمية وتنظيم القاعدة.
وجدت شذوذا واسعا، الأم والابن، والأم والبنت، والصديقة والصديقة، وشذوذ في القول والفعل.
وجدت سواداً مطبقاً علي النفوس، قتامة وكآبة وإحباطاً، سواداً يعطي المبرر للسلطة في أن تفعل ما تشاء، ذلك أن مصر أصبحت خارج السيطرة، سوادا يعطي المبرر للسفهاء بأن يزدادوا سفاهة، وللبؤساء أن يحتموا بالنكتة.. وللفقراء أن ينتظروا ما لا يجيء، سواداً يقول للابن «اخلع أساور أمك» فالفقراء يفعلون ذلك،
وللبنت «نافسي أمك علي زوجها، وتبادلي معها أقذع المفردات»، فالبنات الفقيرات يفعلن ذلك ولأصحاب المقاهي والمطاعم والجيران وعموم البسطاء وصغار الموظفين. «ارضخوا جميعا لأي ظالم أو فاسد، ذلك أنه يستطيع أن يدخلهم وراء الأسوار»، ثم انتظروا جميعا «الثورة» التي لن تجيء.
* بقي أن أعتذر عن استخدامي ألفاظاً «غير مناسبة».. لم أتعود استخدامها من قبل، ذلك أنني خرجت من دور السينما فاقدا الأمل في أن تكون صناعة السينما في صالح المستقبل، لقد تم اختطاف السينما المصرية لمن يتاجرون بالوجع، ليصبحوا أبطالا، أو من يهينون الوجع، لحشد الضحكات.. كل عام ونحن أفضل.
انتهى كلام أحمد الملسماني ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
ولكن لا تضع بطيخة في عقلك وتقول قد شبعت فكرا واقتنعت بالمبدأ، لأن كل كلمة قالها أحمد المسلماني لها رد ، وكل همسة لها صد ، وهذا ما رأيناه في حلقة اليوم ..
عندما يتحدث خالد يوسف ، تقول ليته كان كاتبا أفضل ، مثقف نعم قارئ نعم ، ضيق الصدر جدا ،يحدثك عن الغلابة والمساكين ، يثير فيك نخوة ومروءة قد فقدتها ، كيف تنام وأناس يشربون من المجاري ويأكلون فتات العمارات والمباني ، يقنعك بأن تقف معه في صفه ، تنتفض من مقعد أحمد المسلماني وتقول له أنت لا تشعر اسكت ! هذا هو الذي يفهم الحياة ، تدخل فيلمه وتشاهده وتخرج وأنت تقول فيلم جميل وتتناسى لقطات خدشت قناعاتك الأخلاقية ولكن لا تنطق بها خوفا من اتهامك بالرجعية وعباد الظلامية ، فتقول في نفسك فيلم جرئ في العلن و تقول فيلم خادش للحياء في السر، وتنسى في العلن توجيهات أمك وأبيك القديمة بعدم تثبيت النظر في المشاهد الخارجة عن حدود الأدب ولكنهما يسمحان لك بمواصلة الفيلم على أية حال ، فأنت متوتر بين توجيهات تربيتك القديمة وتنظير واخراج خالد يوسف الجديد ,,،
سمية الخشاب:
تتحدث فلا تفهم شيئا منها الا ظلال كلمات باهتة من فكر خالد يوسف ، تشعر ببرمجتها ، ويكفي انها حضرت كشنطة خالد يوسف ، تسكت أفضل في الحلقةو تقول بعينيها كلاما لا تستطيع قوله لتعبر به وتجيب عن التساؤلات التي يرسلها لها الجمهور : لماذا قبلت هذا الفيلم ؟، من الممكن أن تسبب مشاكل بكلامها فتفضح صناع الفيلم في انفعالها من الهجوم عليها ،عندما قالت أن اختيار لقطات اعلان الفيلم كانت جريئة لجذب المشاهد ، أي تعترف أن تجارة تحكم الفيلم أيضا وليس هو الفكر الذي يحكم والذي يتحدث عنه خالد يوسف ، فتضع نقطة في رصيد المسلماني كمن يسجل هدفا في نفسه .
سحر الجعارة :
تدافع عن قضايا المرأة ، تشعرك أنها في حرب دائما مع المجتمع ، تفتعل حروبا عبر مقالاتها ليتشكل هجوم عليها في المقابل ، فتصبح ضحية الفكر الظلامي وحاملة لواء الفكر المستنير ، تصاحب ايناس الدغيدي نعم ، وحبيبة هالة سرحان طبعا ، تدافع عن غيرها كما دافعت عن عبير صبري ، واليوم تحدثت بكلام لم تستطع أن تقوله سمية الخشاب أو لا تعرفه سمية اصلا ولا تفقهه ،لا تعقد أبدا رؤية فكرية لسلام اجتماعي يحتوي الجميع ، ولكن عندها أن الهجوم أفضل وسيلة للدفاع ، ولكنا لا تمتلك حنكة المهاجمين ولا وقوة الدفاع فتحتمي بغيرها .
منتج الفيلم وطاقم العمل :
وصموا بسوء النية ، ومحاولة تشوية سمعة الوطن ، نعم دافعوا عن الغلابة الذي لا يملكون مليما وأيضا لكنهم لم ينسوا أن يضعوا في جيوبهم الملايين وأن ثروتهم قد زادت وتكدست بعد نجاح الفيلم ، فكروا في مصلحة الغلابة داخل الفيلم وهذا مشروع فنيا ، ولكن لا ينكروا أن مصلحتهم المادية قد تحققت أيضا ، يتساءل البعض لماذا لم يقدموا مبادرة تثبت حسن النية ، بأن يتبرع طاقم الفيلم بنصف أجرهم في العمل لصالح الغلابة ، لماذا لم يبنوا بيوتا جديدة لهم ومن المؤكد كانت ستتكلف أقل من تكلفة الديكورات وبناء حارة كاملة ، فهذا اقتراح وليس غصبا ، ومن الممكن أن يفند كلام الخصوم وليتهم فعلوا ، كان سيختلف الأمر كثيرا ويقل الهجوم عليهم .
المشاهدون والمتلقون :
هؤلاء هم اللغز الكبير ، هؤلاء هم من يحددون المصير ، ينكر خالد يوسف أن هناك انقساما على فيلمه ولا أعرف من أين اكتسب تلك الثقة العمياء ؟ ، لكن الناس أشكال كل واحد يحكم بمعياره، هناك من يجكم بمعيار الأخلاق ويقول أن هذا مخطط أمريكي لزعزعة الثوابت الأخلاقية في المجتمع ولكن اذا كان لتلك الفئة المبرر في حكمها الأخلاقي وعدم اقتناعها بتلك المشاهد فهذا حقها ولكن ليس من حقها تصنيف الناس تصنيفا خاطئا ، فخالد يوسف يساري يعني ضد أمريكا ، فهذا الذي يحكم بمعيار أخلاقي ، قد يكون يمتلك أخلاقا فاضلة ولكنه لا يمتلك أسلوب النقد ولا رجاحة الفكر وموضوعيته ، وهذا التيار الأخلاقي أكاد أجزم أن تسعين في المئة من شعب مصر لديه تمسك بالاخلاق وان كان حتى ينتهكها ، ولكن لا يريد نشر عكسها ويحاول بشتى الطرق أن يحافظ على ثباتها وبقائها ، ويستمد هذا المخزون الأخلاقي من تربيته والاطار العام للدين ، ويقف في خندق الاسلام الأصولي المحافظ ( وهذا فكر موجود لا ينكره أحد ) يقف في الخندق معه وان كان يرفضه منهجه ولكن يتشابه الخصم أو يتوحد عندهم ، وهذا الخصم اليساري الليبرالي يدعي أنه في صراع مع هذا التيار الذي يحارب الفن عموما ولا يعرف أنه يحارب فئة كبيرة من الشعب المصري التي تميل للمحافظة ولكنها لا تحرم الفن ولكن تريد أن تقتطع منه ما يشوهه من وجهة نظرها ، فلا نستغرب أن نرى شخصا يهاجم الفيلم ولكنه بدون لحية ولا جلباب قصير كما فعل أحمد المسلماني وعمرو أديب . ، أما من يحكم على الفيلم بمعيار فني نقدي هذا لا يصنف الا في شريحة المثقفين ، وهم الذين ينظرون الى الفيلم في مجمله لا لقطاته الساخنة ، ويكيلون لخالد يوسف المديح على فيلمه الذي هناك فئة كبيرة من الشباب والمراهقين خاصة لم يدخلوه الا لتلك اللقطات ، ومن يدخل السينما يسمع التعليقات بعد انتظار وترقب اللقطات.
أكون مقتنعا بعدم الخوف على المشاهدين اذا كان جميع المشاهدين لديهم تلك النظرة الكلية التي تعشق الفن ولا تعشق المناظر ، ولكن أين هذا المشاهد الذي يتحدث عنه خالد يوسف الذي يعي الفكر المقدم ولا يستلهف على اللقطات ، هل هم سكان العشوائيات الذي سيشاهدونه ولكن هم ليسوا في حاجة لمشاهدته لأنهم يعيشون المرارة نفسها مجسدة ، واذا قلنا ان عشرين مليون فقير عشوائي ، فبمن ستمتلئ قاعات السينما ؟؟
الفيلم :
يدعو للحزن والاكتئاب نعم ، يطرح الحل لا أعتقد ولا حتى يوحي به ، لكن من شاهد فيلم هي فوضى ، يجد أن الحل الذي طرحه خالد يوسف هو الثورة الشعبية التي تنبت من عدم الرضى بهذا الظلم الطاغي والتحرك الواعي نحو تحقيق العدل ، فهمت تلك الرؤية واحترمتها ، لكنني لم اقتنع بها في حين ميسرة ، وجدت المشكلة وتفاصيلها ولكنني لم أجد الحل ولا وحي الحل ، وهذا راي أحمد المسلماني فيما أعتقد ، ويبقى اقتراح الخروج من هذا المأزق أن يتم دمج فيلم هي فوضى في فيلم حين ميسرة ويكون حين ميسرة أولا ثم هي فوضى ثانيا .
يرد خالد يوسف على الكلام الذي يقول أنه داعب شباك التذاكر بتلك المشاهد الساخنة ، ويرد أن هناك على النت والفضائيات ما هو أشد خدشا للحياء من فيلمي ، ولكنه ينسى أن من يخدش الحياء هنا هي سمية الخشاب ، وهي تشكل ليس لي طبعا ، فريسة لتلك النفوس الحائرة شيئا جديدا بعدما ملوا غيرها .
أنا و أنت مع من ؟ : أرجو أن تكون نفست قليلا عنك قارئ هذا الموضوع وقد وضحت لك بعض الأشياء المتناقضة التي شعرت بها ويشعر بها كل انسان يعيش في هذا العالم وليس في مصر فقط ، مع من سوف تجلس ومع من سوف تختار أم سيكون رايك خليطا من جميع الآراء أم لك راي آخر ارجو أن أكون قد ساعدتك في البدء في التفكير فيه وتحديده ؟ فلا تنظر مني ايضا فكرا جاهزا !