السلام عليكم،
أحبتي و إخوتي..عَزَّ عليَّ و الله البعد عن التواجد بينكم و معكم، لأنعم بدفء المحبة و الأخوة التي جمعتنا و تجمعنا و إلى الأبد..لن أستطيع الإبتعاد عن قبس الدفء و النور الذي جمعنا حتى و إن أمضت صروف الدهر سكينها على رقبتي..فبضعة مني إستودعتها هذا المنتدى الطيب و أرق المشاعر مضمخة بعطر الصدق في كل كلمة قلتها و أقولها، أخرجها من شغاف القلب لأقدمها بكل تواضع، لأعزة علي جدا..أدعو العلي القدير، في الجهر و الخلوات، أن يحفظهم و يحميهم و يوفقهم إلى ما فيه طاعته سبحانه و تعالى..
لم أنسى و لن، أجمل و أطيب إخوة و أخوات أفاضل، قابلتهم سواء على بساط الواقع الذي أمشي عليه برجلين أو رداء "الإنترنت" المنسوج بخيوط التقنية الحديثة..و كيف أنسى أو لا أتذكر، من (أحبتي في هذا المنتدى) محبتهم لها مكان فسيح على تاج القلب، أحملهم معي حيث مكثت أو حيث ارتحلت..قد تشيخ الذاكرة و قد يضعف الجسد المتعب و قد ترتخي أعصاب، لكن نواميس القلب تستمد أبديتها من روح الحياة نفسها..ستبقى المحبة و الأخوة شفافة نقية دون كدر..ستبقى المحبة و الأخوة صمام أمان لكل زمان، زمان الفتنة أو زمان الطغيان.. ستبقى المحبة و الأخوة دما طاهرا يمشي في عروق الإخوة، إخوة البيت الواحد.. ستبقى المحبة و الأخوة دفء الأحضان بمشاعر "جوانية" صادقة.. ستبقى المحبة و الأخوة ما بقي الليل و النهار..
القلب فلقتان، إحداهما مصر أكتوبر المجيد و الأخرى جزائر الشجعان..
القلب فلقتان، إحداهما مصر القراءات و الآذان و الأخرى جزائر الضاد و الميزان..
القلب فلقتان، إحداهما مصر من علمت الدنيا الحب و الأخرى جزائر نقشت على صدر الحب قُبْلَتَان..
القلب فلقتان، إحداهما مصر العظيمة و كفى و الأخرى جزائر الأوراس فهما أختان..
القلب فلقتان، بل هو مضغة واحدة، مصر و الجزائر فيه حبيبتان..
حديث القلوب، حديث المحبين..هو همس البسمة الحلوة من الثغر الجميل، هو إغضاء العيونِ السودِ الطرفَ حياءً، في عفة و طهر..هو زغاريد الفرحة من حناجر أمهاتنا و هن فرحى بأبنائهن و بناتهن أن رفعوا راية العلم، راية الإيمان..
يُحدِّث القلب و يبوح، لكن القلم إحتبس و أخرس معه اللِّسان، رغم أنفيهما، عندما ذاقا مرارة حسرة، ما كان أغنانا عنها..تتثبت، تتريث لخبر سوء من هنا أو هنا..تَتَحلَّمُ و تَتَصَبَّرُ لنبإٍ يغرز خنجره في ذلك القلب المحب، ليُقطِّعه إربًا إربَا و يُنكِّل به أبشع تنكيل..تَتَلَمَّسُ أن يكف مسيء عن إساءته أو تسمع أو تشاهد بأم الفؤاد من يتصدى و يجأر بصوت عال: "هذا حرام"، بالله عليكم! أن كفوا..حتى صوت العقل و الحكمة توارى بعيدا (متحسِّرا أسفا) مرغما، أمام أطنان السخام الكلامي و "قصف الحناجر"، وددت يومها لو كان لصوته (العقل) سلطانا، يردع و يُعزِّر به "ضجيج الصغار"..و أصارحكم، وددت أن كل قلم رصاص، كل كلمة صدق، كل منبر حر، كل برنامج تنوير..ينحى جانبا لكي لا يتسخ بأوضار "إقتتال الرفاق" و "العار المشين"!.. و ينأى عن وحل رمال متحركةٍ بأيدٍ كائدة..
و صادقا أقولها، لم أتردد لحظة أو أتململ في الوقوف بجانب الحق و لملمة الجراح و لن أطأ برِجليَّ موضع فتنة أو أنحاز إلى شقِ تعصبٍ أعمى ما حييت..لكني ذرة في تراب و كلمة تبحث عن أخواتها لتقي نفسها الأمطار الحمضية من الأفعالِ المُعتلَّةِ و الأسماءِ النَّكِرَةِ (واعذروني)..بحثتُ عن صوت الحب في صوت شاعر و في نشيد مصر و الجزائر، بحثتُ عن عين أخي لأنظر إليها و تنظر إلي، تعاتب النظرة النظرة ليكن..معاتبة المُحبِّينَ لحالٍ حزينٍ صنعه لعب الصغار..بحثت في الذنوب عَلَّ حالنا هته بعض العقاب المُعَجَّل..بحثت في طيَّاتِ السنينِ و سِرِّ الجُرْحِ الغَائِر، فرجعت بيقينٍ أنَّ الحُبَّ أَصْلٌ يُسَجِّي بردائه جميع الجسد الطاهر، أما ندبة الجرح الثائر فهي مفتعلة من فعل فاعل..بحثت في نسمات الصباح، و نوح الحمام و تأمَّلتُ في صفحات السماء أبحث عن أجمل حبيبين غَدَرَ بهما خنجر الكره و القبح..فوجدتهما بعد عنـــاء، يَنْزَوِيَانِ في ركنٍ بعيــد، يصطليان بدفء الحب الذي جمعهما. لقد أصرَّا أنْ لا تُدنِّسَهما أيدٍ باردةٍ غادرة..لا روغانُ "هزِّ القدم" و لا نارُ الغضبِ المائرِ أو شعلةُ الفرحةِ الفائرةِ، ضعضع ما يجمعهما..
دَقَّتِ الأيدي الآثمةُ إسفين الفُرقة بين الإخوة و الأحبة من أجل "جلدة منفوخة"..خَسِروا و خَابُوا.. واحسرتاه! تقاذفتها الأرجل بلهو و لعب، فطاشت بعقول أغرتها سكرة الشاشة الساحرة و عددُ نُسخِ صفحاتِ أوراقْ و سطوةُ صولَجَاناتٍ و وسوسةُ دريهماتْ! فاشتعلت نَـارْ، فكبَّرتْ..فكبَّرتُ ثلاثًا على مصيبة، لولا لطف الله و تدبيره، لأكلتِ الأخضرَ و اليابس..
الكلمةُ الحُرَّة هذا أوانها، خبرُ الصدق هذا أوانه، صرخةُ الحقِ هذا أوانها و إلا فمتى أوانها؟!..آه آه! مقصلة على الرأس؟، لقمة عيالي؟، جاه بين الناس؟ أم قطع دنانير تكسو الحرير؟..عجبي!..العقبى عند الباري، الحي الرزاق.
و حتى لا "يتساوى الرخيص بِحُرِّ الذهب"، قيَّضَ الله قلوبا على أجنحة طير كانت شمعةَ ضياءٍ قهرت كل الظلام الحالك الذي أراد أن يلف الجميع، لكن هيهات!..من هناك، من نافذة تعلو الفضاء و صوت ملائكي، لسان حاله، نيته الطاهرة في جمع الأحبة..بجنبه أنبل الناس، تدخلات عبر كلمات الشعر و الصفاء، متلألئة كنجوم السماء...و من هنا، يُغَرِّدُ شاعرٌ من على "صدر سيناء" بأعذب الألحان، كلماتٍ مرصعةً بأغلى الأماني و الآهات، و يدعو "قلبا بأرض الجزائر". أطربنا و حرقة الدمعة على وجنتيه. عَرَّى الجُرْحَ العميقَ لا لنزداد صراخًا و ألمَا بل لنكشف الزَّيفَ و نتناول البلسم الشافيَ..أبطالُ قصيدته شهيدين عادا من بعــــيد، يطوفان "بأرض العروبة"...ومن هنا و من هناك، كلُّ من سَجَّلَ على صفحة بيضاء، كلمةَ حقٍ و وقفةً حرةً، سيسجلها التاريخ في سجله الذهبي و التاريخ لا ينسى!.
فقرَّرت في خضم كل هذا أن أصنع من الليمونة الحامضة شرابا حلوا..كانت حموضتها سقيمة مُرَّةً كالسم الناقع و طعنة الخنجر الغادر، أما حرقتها فحرقة الحديدة الحامية في الجرح المفتوح..فكانت المادة الحلوة، أن أوصدت السمع و البصر عما يؤذي و يغير الضغينة و يدخلها عنوة في قلوب نقيَّة، لا تمسك بوساوس الناس هته..ثم سقيت القلب شعرا من أعذب ما سمعت و أعظمه، شعر الشاعر العظيم فاروق جويدة (كانت قصيدته تاجا لكل سلطان..لكن! لم يَتزيَّن بها أحد..عجبي) و شعر الشاعر العظيم مفدي زكريا (شاعر الملاحم و البطولات)، فكنت بين السماء و الأرض أطير بأجنحةٍ بيضاءَ وَقَتْنِي وحل القبح و الموت..و عمدت إلى الأولاد أغرس فيهم حب الوطن، حب الأمة الواحدة، حب الأخوة في الدين، و يقينَ أنَّ "جلدةً منفوخةً" أحقر (و اعذروني) من أن تنال من صفو الود و المحبة بيني و بين أخي، الذي هو "ضميري و سيفي" أفديه أفديه بنفسي، لا أساوم في عرضه و لا أتاجر بدمه و شعرة من شعرات رأسه الطاهر محال أن أسمح أن تداس أو تدنس..فنام الأولاد بعد هذا على دفء الحب لا على "نار الحقد" التي، دعوت الله في الصلوات، أن يطفئها و يجعلها بردًا و سلامَا..
مع دفء هذا القبس، غفوت ذات ليلة و حلمت..أن المناسبة (الكروية) عرس حبيبين: المنافسة في التجمُّل و التزيُّن و بذلُ أروعِ إبداعٍ في فنون الفرح و إظهار البهجة..جذر"خ - س- ر" ليس موجودا مطلقا في قاموس العرس..هنا! صغار من العائلتين يلعبون، هناك! شيوخ إشتعل رأسهم شيبا يتسامرون و هنالك! طاهرات عفيفات مصونات تُحَضِّرْنَ لوازم العرس و تُقرِينَ الأهل و الضيوف بكرم آل حاتم. هذه "الزَفَّةُ" سمع بها العالم أجمع و بعث برسائل قصيرةٍ و طويلةٍ إلى أصحاب العرس يطلبون و يرجون وصفة النجاح في إقامة مثل هته المناسبات..أصهار و أنساب، دم واحد و أكبر، ديـن واحد يجمع و أبدا لا يُفَرِّق..حتى أني رأيت فريقا واحدا يجمع أمهر اللاعبين من كلتا العائلتين نتباهى به أمام فريق البرازيل
..لم أُلْقِ بالاً لكرةٍ مخططةٍ بمربعات الأبيض و الأسود و لا لِلَغَطِ الصبيان، لكني حين استيقظت، وجدت حلاوةَ فرحةِ قَلبَيْ الحبيبين..فحمدت الله أنَّ "الخير باق" في أُمَّةِ القرآن.
و لأني حفنة من تراب هته الأرض، أرض الجزائر..عشقت حفنة من تراب أرض مصر الحبيبة. حبة رمل بطعم الجزائر أحبت حبة رمل بأطيب و أعذب و أجمل طعم بأرض الكنانة مصر. و هذا طبيعي، حبات الأرض تعشق بعضها لأنها من معين واحد و إلى مصير واحد، أما من أراد أن يتعال عن الأرض التي ولدته و الرحم التي أنجبته، فحتما سيولد ميتا!..
ما يعطي الحياة لهته الأرض هو تلك الدماء الزكية التي أهريقت في أكتوبر و نوفمبر و كل تاريخ المقاومة ضد مستدمر أسماؤه متعددة و لب الإجرام فيه واحد. دماء الشهداء الأطهار و مداد العلماء الأخيار و رموز الأمة الواحدة أعظم هبة، منه سبحانه و تعالى، لأجيال تغذَّت بقدسيتها و تطهَّرت من شوائب الأَثَرَةِ..هي التضحية و "الدماء التي حرَّرتها" (حرَّرتِ الأرضَ و رِقابَ الشعوبِ)، سالت على جبين عروس بهيَّةٍ وجهها الساحر هو "وجه سينا" و عينها الخافضةُ الطرفِ "عين الجزائر"..فهلاَّ صُنَّاها و احترمناها و أرضعنا أبناءنا لبنا صافيا غَدَقَا، من المحبة و الأخوة؟!.
نيل هادر، عامر، خصب..و جبل أَوْرَاسٍ شامخ يناطح السحاب، طبيعة واحدة، مشهد ساحر من جَنَّةٍ على الأرض، أهلها إخوة و أحبة، لُحمَتهم الدين و لسانهم يلهج بالقرآن و أرضهم صدر رحب، لجميع الأديان..صورة الوجه الجميل تتلألأ، أما الوجه القبيح (و اعذروني)، هو خارج إطار الصورة بلون أسود، سواد الظلمة التي في قلبه..
إصفرت أوراق فتساقطت كأوراق الخريف..و أراها اللحظة تسقط، سقوطًا حُرًّا يخضع لقوانين الفناء الأبدية.. و مع ذلك ما زالت تكابر..عجبي!. أما زهور الربيع، فأراها تَطْلُعُ برأسها الجميل لتثبت وجودها، متطلعة للشمس و النور..الإخضرار سجاد نضر تحت أرجلها و المياه الرقراقة تداعب خدود ورودها. سيشتد ساعدها و يقوى..ستملأ رِئتيها هواءً رخاءً، حريةً كنسمةِ الصباح، و يسطع شعاع الشمس على بصيرتها لينير لها طريق الإختيار الصحيح. فيا حي يا قيوم، ندعوك مخلصين، أن ترعاها و تحفظها من كل السموم.
سيبقى النيل و ستبقى جبال الأوراس..حُيِّيتَ و عُوفِيتَ يا شاعر.
و ستبقون أحبتي و إخوتي..
أخوكم و محبكم زين العابدين.