مني الشاذلي
برنامج (البيت بيتك) - وربما بيتهم - يعبر عن رأي الحكومة في كل ما يتناوله من قضايا، فأغلب ضيوفه من المسئولين الحكوميين، ولاتتاح الفرصة لصوت المعارضة إلا فيما ندر ويتم التضييق علي المساحة التي تعطي لها، وينبري المذيعون لخنق هذه الأصوات، بخلاف برنامج (العاشرة مساء) الذي يتيح المجال لصوت المسئولين السابقين والمعارضين وأيضاً أصحاب القضية أنفسهم ويحاول برنامج (90 دقيقة) أن يقترب من هذا النهج.
هذا التوصيف ليس رأياً خاصاً، وإنما هو نتاج دراسة علمية أجريت علي البرامج الحوارية في بعض القنوات الحكومية والخاصة وشملت الأرضية والفضائية أيضاً. الدراسة أعدتها الدكتورة آمال كمال الباحثة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بهدف التعرف علي حجم وطبيعة اهتمام البرامج الحوارية بقضايا الفقر والفقراء في مصر، وأثر نمط ملكية القنوات التليفزيونية في حجم وطبيعة التناول الإعلامي لهذه القضايا ومستوي الحرية في مناقشتها.
وشملت عينة البحث برنامج (البيت بيتك) علي القناة الثانية الأرضية، وبرنامج (العاشرة مساء) علي قناة دريم الثانية الفضائية، وبرنامج (90 دقيقة) علي قناة المحور الفضائية، خلال الفترة من أول فبرير حتي نهاية مارس 2007. واستندت الدراسة إلي تحليل مضمون جميع الحلقات في مدة الدراسة، من حيث القضايا المطروحة ونوعية المتحدثين وانتماءاتهم السياسية ومدي الاهتمام بقضايا الفقر، واتجاه عرض القضايا المطروحة نحو السياسات الرسمية ومدي مشاركة الجمهور، إلي جانب مدة البرنامج وشكل الفقرات ومدتها ووسائل ابرازها ومدي تكرار الفكرة في فقرات الحلقات والزمن المخصص لها.
كما استندت الدراسة أيضاً إلي طريقة تحليل الإطار الإعلامي وتشمل (الأفكار الرئيسية الواردة في البرنامج، وأسباب القضية كما يبرزها البرنامج، الحلول المطروحة، والجوانب التي يبرزها البرنامج وتلك التي يتجاهلها في معالجة القضية.
في الواقع لم تحمل الدراسة مفاجآت حول مدي اهتمام القنوات المختلفة بقضايا الفقر والتعبير عنها غير أنها حددت الأمور علي نحو علمي، فقد أشارت إلي انخفاض نسبة الفقرات المعنية بقضايا الفقر والفقراء في البرامج الثلاثة خلال فترة الدراسة، فلم تتعد نسبتها (8%) من إجمالي الفقرات بمساحة زمنية تقترب من (11%) من المساحة الزمنية للبرامج، وجاء برنامج العاشرة مساء أكثر البرامج اهتماماً بتلك القضايا بنسبة (11.8%)، وجاءت النسبة في برنامج البيت بيتك حوالي (5.8%)، تليها في برنامج 90 دقيقة حيث بلغت (5.3%) بالنسبة لباقي القضايا، وذلك رغم ما أسفرت عنه نتائج استطلاعات الرأي عن ارتفاع اهتمام المواطنين بمشكلات محدودي الدخل وفي مقدمتها ارتفاع الأسعار والدعم والمرافق والبطالة والتشغيل والتأمين الصحي والفقر، ويمكن تفسير ذلك في ضوء سيطرة قضايا أخري علي الأجندة الإعلامية خلال فترة الدراسة وأبرزها التعديلات الدستورية التي شغلت مساحة كبيرة من اهتمام البرامج الحوارية، كما برز دور صانع القرار والمصادر الرسمية في التأثير علي الأولويات الإعلامية.
وكشفت الدراسة أن أعلي نسبة لاستضافة مسؤولين حكوميين كمصادر إعلامية قد جاءت في برنامج (البيت بيتك)، بنسبة (38%)، يليه برنامج 90 دقيقة بنسبة (27%)، ثم برنامج العاشرة مساء بنسبة (25%)، وكانت الشخصيات من الأحزاب والاتجاهات المعارضة أكثر ظهوراً في برنامج (90 دقيقة) بنسبة (10%)، يليه العاشرة مساء بنسبة (5.4%)، في حين كان برنامج البيت بيتك أقل البرامج موضع التحليل التي أفسحت المجال للشخصيات من الاتجاهات المعارضة للظهور والتعبير من خلال البرنامج بنسبة (2.9%)، مما يدل علي وجود علاقة بين شخصيات الضيوف وملكية القناة فارتفعت نسبة ظهور المسؤولين الحكوميين، وانخفضت نسبة ظهور الضيوف ذوي الاتجاهات المعارضة في البرنامج الذي يبث من قناة حكومية (البيت بيتك)، والعكس.
كما تؤثر ملكية القناة أيضاً علي اتجاهات عرض الموضوعات والقضايا المرتبطة بالفقر، ومدي تأييد المعالجة الإعلامية للتوجه الرسمي إزاء تلك القضايا، فقد تبين أن برنامج البيت بيتك كان أكثرالبرامج تأييداً للتوجه الرسمي في معالجة الفقرات المرتبطة بالفقر بنسبة (40%)، في حين كان برنامج العاشرة مساء أقل البرامج من حيث نسبة تأييد التوجه الرسمي بنسبة (6%)، في حين كانت نسبة تأييد التوجه الرسمي في مناقشة قضايا الفقراء حوالي (9%) في برنامج (90 دقيقة) علي قناة المحورالخاصة.
وكان برنامج (العاشرة مساء) هو أكثر البرامج التي أفسحت المجال لتقديم وجهات نظر معارضة للسياسات الرسمية نحو هذه القضايا بنسبة 49%، يليه برنامج (90 دقيقة) بنسبة 36%.
في حين لم تظهر الآراء المعارضة للسياسات الرسمية فيما يتعلق بقضايا الفقر في برنامج البيت بيتك.
فقد كان الإطار المسيطر في تناول قضايا ومشكلات الفقراء في برنامج (البيت بيتك) هو إطار الاهتمامات الإنسانية، حيث اهتم بابراز شكاوي المواطنين في مختلف المجالات لمواجهة نفقات الحياة ولسد الاحتياجات المعيشية، وطلب المساعدة في تحمل نفقات العلاج، هذا فضلا عن ابراز دور المجتمع المدني في مكافحة الفقر، وفي مساعدة الفقراء لتحقيق التكافل الاجتماعي، ودعم المشروعات التنموية وتوفير نفقات العلاج للفقراء، الأمر الذي يشير إلي علي عدم ابراز المسؤولية الحكومية عن تردي بعض الأوضاع المعيشية لشرائح كبيرة من الناس أو الدور المنوط بالجهات والمؤسسات الحكومية للنهوض بالفقراء ومحدودي الدخل، أو ضرورة تدعيم دور المستشفيات الحكومية والتأمين الصحي في علاج غير القادرين. ولذلك لم يتم الاهتمام بالفقر كقضية رئيسية، وإنما ترد الإشارة إليه ضمن تغطية أحداث يومية متبانية يمثل الفقر أحد أسباب وقوعها
، مثل حوادث نشوب حرائق في المناطق الفقيرة مثل منطقتي قلعة الكبش وباب الشعرية، والهجرة غير الشرعية للشباب، ولجوء بعض الفقراء لبيع أطفالهم بسبب الفقر، ومحاولة الحصول علي المال بطرق غير مشروعة، فضلاً عن الفقرات التي تناولت الاحتجاجات العمالية في بعض مواقع العمل بسبب سوء الأحوال الاقتصادية وتدني الأحوال المعيشية لهم، من خلال تغطية أخبارية تكتفي برصد الأحداث وتصريحات المسؤولين، ولم تفسح المجال لمناقشات مستفيضة تبرز الآثار السلبية لسياسات الخصخصة والتحولات الاقتصادية علي أوضاع العمال، رغم توافر المساحة الزمنية الكافية لهذه البرامج، بينما أفسحت البرامج الحوارية في الفضائيات الخاصة فرصة أكبر للتغيير عن أصوات العمال إلي جانب المسؤولين الحكوميين.
وتشير نتائج الدراسة إلي محدودية الفقرات التي تعني بإلقاء الضوء علي الحياة اليومية للفقراء والمعاناة التي يتكبدونها لسد احتياجاتهم المعيشية، ومن أمثلة ذلك الفقرة التي جاءت ببرنامج (90 دقيقة) حول قصة حياة أسرة صياد فقير تعيش حياتها في البحر وإبراز معاناة هذه الأسرة، لكن المعالجة كانت جزئية، فاهتم البرنامج بجمع التبرعات والمساعدات المشاهدين للأسرة، ولم يتعد ذلك إلي مناقشة القضية في إطار عام من خلال عرض لمشكلات قطاعات كبيرة من المواطنين تعاني الفقر، وإلقاء الضوء علي حياتهم اليومية وصعوبة تدبير متطلباتهم الحياتية، أو تدني الأوضاع المعيشية والبيئة المحيطة بهم.
وتشير النتائج إلي أن غياب أبعاد معينة في الإطار لا يقل أهمية عن التركيز علي أبعاد أخري بهدف تدعيم توجه معين تسعي المؤسسة الإعلامية لإبرازه، فقد أسفر البحث عن غياب أبعاد معينة في الطريقة التي قدمت بها قضايا ومشكلات الفقراء في المجتمع المصري، مثل الأسباب وراء معاناة هذه الشرائح في تدبير احتياجاتها اليومية، وعدم قدرتهم علي الوصول للخدمات التعليمية والصحية التي تقدمها الدولة نظرا للعجز في تحمل تكاليف الاستفادة من تلك الخدمات، وقصور السياسات الحكومية عن النهوض بمستوي معيشة الفقراء، وعدم اهتمام المؤسسات الحكومية بالشرائح الدنيا، خاصة في الريف في الوجه القبلي، واتساع الفجوة بين طبقات المجتمع، وأثر الفقر في الانحراف وانتشار الجريمة.
وتري الباحثة أن هناك حرية ملحوظة في البرامج الحوارية التي تبث من القنوات الخاصة مقارنة بالقنوات الحكومية، سواء في اختيار القضايا أو إفساح المجال للتعبير عن مختلف الآراء بشأنها، نظرا لوجود توجهات ومصالح رأسمالية تؤثر في أسلوب أداء هذه القنوات سعيا لجذب أكبر عدد من الجماهير(!!) ويمكننا هنا أن نختلف قليلاً فلا يمكن أن نغفل رؤية (الاعداد) لتناول هذه القضايا وليس فقط هدف جذب الجماهير.
وتفسر الباحثة اتساع هامش الحرية في البرامج المقدمة من التليفزيون الحكومي وانحسار دور (حارس البوابة) - في ظل المنافسة الإعلامية والسماوات المفتوحة، لكن هناك ضرورة لأن يقوم الإعلام بمسؤوليته الاجتماعية والمهنية ليلبي احتياجات الجمهور ويعبر عن هموم ومتطلبات شرائح كبيرة من المجتمع لاسيما مع ارتفاع نسبة السكان الذين يعانون الفقر وتدني مستوي المعيشة، مما يتطلب من البرامج الحوارية التي تتمتع باهتمام جماهيري معالجة إعلامية متكاملة لهذه القضايا، وعدم الاكتفاء بالتغطية الإخبارية لأحداث متناثرة، قد يكون الفقر أحد أسبابها، أو مجرد عرض لحالات إنسانية تنشد المساعدة من المشاهدين دون تقديم رؤية متكاملة للظاهرة تبحث وراء أسبابها ومظاهرها وكيفية تخفيف حدتها علي المواطن، بهذا يمكن أن تزيد مصداقية هذه البرامج لدي الجماهير ويمكنها المنافسة الإعلامية مع غيرها من القنوات
المصدر:البديل