لا يسعني الا ان ابدأ دائما بتحية الاستاذة منى وكل طاقم البرنامج الرائع على المصداقية العالية للبرنامج...اما بعد:
منذ الخطاب الثاني للرئيس السابق حسني مبارك الذي اعلن فيه عدم ترشحه للانتخابات القادمة بدأنا نسمع اصواتا تخفت احيانا وتعلو اخرى ,تطالب بالاكتفاء بما تم الحصول عليه وترك الرئيس في الحكم حتى شهر سبتمبر , تحت العديد من الشعارات منها:
-- الخروج المشرف لرئيس مصر , وهو رمز لمصر والشعب المصري , وصورتنا في الخارج.
-- الحاجة الى وجود رئيس لاتمام التعديلات الدستورية المطلوبة
-- التخوف من سيطرة الجيش وقيام حكومة عسكرية
-- غياب الرئيس هو غياب للامن (مبارك واستقرار أو لا مبارك ولا استقرار)
-- الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي تتكبدها البلاد كل يوم نتيجة توقف الاعمال وقطاع السياحة وغيره..
-- الأمل في ان الرئيس السابق قد تغير فعلا وسيحقق الان كل المطالب.
وان كنت شخصيا لا اتفق نهائيا مع هذه الأراء فانني اشدد في الوقت نفسه على احتــــــــرام الـــــــرأي الأخر وعـــــــدم التخـــــويـــن .
وفي ذات السياق كتب الاستاذ ضياء الدين مشكورا موضوعا بعنوان (أخطاء 25 يناير) يتبنى فيه (حسب فهمي ) هذه الأراء , وهو يرى انه لكان من الافضل لنا ان نمهل الرئيس مبارك حتى يحقق ما وعد به وبعدها يمكننا ان نحاسبه ونحاكمه أو حتى نصادر أمواله فيما ننعم خلال تلك الفترة بالأمان من خلال وجوده واستقرار الأمن.
لذلك للاستاذ ضياء ولكل اصحاب هذه الأراء اقول : مع كل الشكر والاحترام لرأيكم الكريم الا انني لا اتفق معكم للاسباب التالية:
1-هناك فرق كبير بين الثورة والتسوية السياسية وما تتحدثون عنه هو تسوية سياسية تحدث عندما يصل حزب معارض الى الحكم بعد فوزه بالاغلبية البرلمانية فيقوم بفرض مجموعة من الاصلاحات والتغيرات التي تغير من توجهات الدولة ويتوجب على الرئيس (الذي لم يعد يملك الاغلبية البرلمانية) اتقديم تنازلات فيما يشبه المفاوضات مع الحزب الجديد اما الثورة فهي انتفاضة مفاجئة وسريعة يبذل الثوار فيها دماءهم ويقدمون ارواحهم ليس من اجل تعديل مادة من الدستور او تغيير مسؤول في الحزب الحاكم وانما لغاية واحدة هي الحرية ,كي يشعروا بان هذه بلادهم ,كي يشعروا بانسانيتهم, كي يضمنوا غدا حرا لابنائهم , هذا من الناحية الفكرية ,اما من الناحية العملية فأقول لك :
-- لقد كان امام الرئيس ثلاثين عاما ولم يقدم شيئا للشعب بل اخذ الكثير فماذا سيفعل بسبعة شهور وهنا دعنا لا ننسى امرين هامين جدا
الاول :لو ان الرئيس قام بما قام به في ايامه الاخيرة قبل شهر واحد لحمله هؤلاء الثوار على الاكتاف واعتبروه القائد البطل ولدخل التاريخ ,لذلك ما قام به من تعيين نائب وغيره لا ينسب له وانما للثورة ورجالها الابطال.
الثاني :ان هؤلاء الثوار ولدوا وتربوا وكبروا في عهد مبارك وهو المسؤول الاكبر عن سوء اوضاعهم ووصولهم الى حالة الانفجار (يا أصدقائي ان كان مبارك قد حكم ثلاثين عاما فالمواطن المصري لا يحلم ان يحكم يوما واحدا او ان يكون وزيرا او مديرا ليوم واحد ,أترون المشكلة ؟؟لقد قتل مبارك وحاشيته الأمل في نفوس المصريين ,هذا الامل الذي نراه اليوم في عيونهم يدفعهم للعمل والمشاركة في تنظيف وبناء مصر جديدة(الرجل اليائس هو رجل انتحاري))
2- ثم دعنا نفترض ان الشعب قبل بما اقترحته وعاد الكل الى بيوتهم بانتظار انتهاء المدة الرئاسية ,ماذا تتوقع من قيادات الحزب الحاكم المنتفعة من النظام والتي تملك مشاريع واستثمارات حيوية في مصر ان تفعل خلال الاشهر القليلة المتبقية؟؟؟
انا اعتقد برأيي الشخصي انها ستفعل المستحيل للحفاظ على النظام الذي يخدم مصالحها ,الامر الذي قد يكون بتغيير شكلي للنظام مع الحفاظ على جوهره ,ولضمان عدم تكرر الثورة لابد من ملاحقة قيادات هؤلاء الشباب وسجنهم او تعذيبهم او اخراجهم من البلاد او محاولة شراء ولائهم,,,,,,
وفي أفضل الاحوال قد يكتفي النظام وقياداته بحمل كل ما يمكن حمله ونهب البلاد واخراج اموالهم للخارج ,
عندها لن نجد احدا نحيله للقضاء و لن نجد اموالا لنصادرها .
3- أساتذتي الكرام :قوات الشرطة المؤتمرة من الحبيب العدلي لن تحفظ الامن وهي لم تحفظه خلال الثورة لقد كانت سيفا على رقاب الثوار , الشعب هو من حفظ الامن .
4- لا اريد الخوض في نظرية المؤامرة حول اطماع امريكا واسرائيل في مصر ,لأن هناك بالتأكيد مطامع لهم في مصر ,لكن مطامعهم ليست باحتلال عسكري لصحراء سينا او لميدان التحرير ,مطامعهم بوجود نظام سياسي حليف او تابع لهم يدير دفة الحكم في مصر للحفاظ على مصالحهم الاستراتيجية ,تماما كما كان الامر مع نظام حسني مبارك .
5- من الطبيعي ونحن الذين كبرنا وهرمنا ونحن نرى مبارك على هرم السلطة في البلاد أن نشعر بالخوف ولو لبرهة او القلق ربما من فكرة غياب هذه الشخصية ونظامها, لقد تربينا -وبشكل متعمد ومدروس- كي نكون محدودي الافق , كي نجلس خمسة وثمانين مليونا خائفين منتظرين من مبارك او غيره في النظام كي يعطينا الامن والاستقرار ,كأن مبارك او غيره سيحمل سيفا ويسهر ليلا على حراستنا, علينا ان نتعلم ان الوطن اكبر من الجميع , مبارك يرحل ويبقى الوطن ,يبقى مستقرا امنا بزنود ابنائه , ويشمخ عاليا بهمم ابنائه,بعلمهم وعملهم وحبهم وتفاهمهم.
أخيرا أود القول باننا جميعا وددنا لو ان انتقال السلطة كان اكثر سلاسة ,دون الحاجة الى استشهاد اكثر من ثلاثمئة وجرح الالاف,لو ان النظام كان اقل تعنتا ,لو ان الرئيس كان اقل تشبسا بالكرسي ,لكن هكذا شأن المستبدين ,وهذا قدر الشعوب ان تناضل وتزكي برائحة دمائها نسمات الغد الحر ,
هذه الحرية التي لاتوهب ابدا ,بل تنتزع انتزاعا .
اعتذر من الجميع على الاطالة وارحب دائما بتعليقاتكم وردودكم .
كل الحب,كل الشكر, كل الاجلال والاحترام لشهداء الثورة الأبرار.