جريمة منى الشاذلي GMT 12:45:00 2008 الخميس 15 مايو
عبدالعزيز محمود
لا أعرف ما هي الجريمة التي ارتكبتها المذيعة المصرية المتألقة منى الشاذلي حين أجرت حوارا مع الرئيس الأمريكي جورج بوش في البيت الأبيض بواشنطن قبيل زيارته الحالية للشرق الأوسط؟!
ولا أفهم سر الحملة الغريبة التي شنتها عليها بعض الصحف الحكومية المصرية لدرجة اتهامها بالعمالة لأمريكا لمجرد أنها أجرت حوارا مع الرئيس الأمريكي سبق أن أجرى مثله التليفزيون المصري الحكومي في عام 2003؟!
ومنذ متى كان الحوار الصحفي أو التليفزيوني مع الزعماء العرب أو الأجانب دليلا على العمالة والخيانة اللهم إلا في أدمغة أصحاب الفكر الشمولي وأنصار الاستبداد ودعاة الرأي الواحد والفكر الواحد والحزب الواحد؟!
وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع الرئيس جورج بوش بسبب سياساته في الشرق الأوسط فمن المؤكد أن أي إعلامي محترف يتمنى إجراء حوار معه لمواجهته بما يدور في أذهان الرأي العام العربي من أسئلة واستفسارات واتهامات وشكوك!
ومن المؤكد أن أي إعلامي محترف يتمنى إجراء حوارات مماثلة مع الشيخ حسن نصر الله والرئيس أحمدي نجاد والملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس حسني مبارك والعقيد معمر القذافي والملك محمد السادس ورئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت دون أن يعني ذلك أنه عميل لهذا الزعيم أو ذاك.
ومن المؤكد أن أي إعلامي عربي محترف يتمنى إجراء لقاءات مع أي شخصية عربية أو أجنبية مثيرة للجدل بغض النظر عن تأييده أو معارضته لها حتى ولو كانت أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة لأن الإعلام الحر لا يعرف القيود التي يدعو إليها أنصار الفكر الواحد والحزب الواحد!
في عالمنا العربي للأسف الشديد يتم تصنيف الإعلاميين - كما السياسيين والشخصيات العامة- إلى شيوعيين أو أمريكان أو عملاء للمخابرات العربية والأجنبية أو مخبرين لأجهزة الأمن المحلية لمجرد الاختلاف في الرأي!
وفي ظل هذه المدرسة الشمولية كان من الطبيعي أن تتعرض منى الشاذلي للاتهام بالعمالة والخيانة بعد انفرادها بإجراء حوار مع الرئيس جورج بوش كان التليفزيون المصري الحكومي يسعى لإجراء حوار مماثل له!
وليس سرا أن البيت الأبيض قد اختار محطة تليفزيون (دريم) المستقلة للحوار مع الرئيس بوش على أساس إعطاء الفرصة هذه المرة لمحطة تليفزيون غير حكومية وعلى أساس أن شهرة منى الشاذلي التي تقدم برنامج (العاشرة مساء) تؤهلها لإجراء مثل هكذا حوار.
لا أظن أن الغيرة المهنية هي السبب في الهجوم العنيف الذي تعرضت له منى الشاذلي وأيضا رجل الأعمال المصري أحمد بهجت صاحب قناة دريم لدرجة اتهامه بتسخير القناة التي يملكها لخدمة السياسة الأمريكية.
ولا أعتقد أن فشل التليفزيون المصري في إجراء حوار مع بوش هو الدافع وراء الاتهامات الموجهة لمنى الشاذلي بأنها أصبحت جزءا من خطة أمريكية لاختراق الإعلام المصري بهدف تجميل صورة واشنطن في المنطقة.
ولا أرجح أن هناك دوافع شخصية وراء مطالبة بعض الكتاب الحكوميين بالتحقيق مع قناة (دريم) بتهمة إجراء حوار مع الرئيس بوش دون الرجوع إلى الجهات الرسمية ومنها اتحاد الإذاعة والتليفزيون الحكومي الذي يمتلك 25% من أسهم محطة تليفزيون دريم.
حملة الهجوم على منى الشاذلي كشفت أنصار الرأي الواحد والفكر الواحد والحزب الواحد الذين يحتكرون الوطنية استنادا إلى مواقعهم الرسمية القريبة من السلطة ويتهمون خصومهم ومنافسيهم بالعمالة والخيانة!
لا أظن أنه هناك إعلامي محترف واحد يرى جريمة في إجراء حوار مع الرئيس الأمريكي جورج بوش للحديث عن رؤيته للتطورات الجارية في الشرق الأوسط خاصة في العراق و لبنان و الأراضي الفلسطينية ومستقبل عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ولا أعتقد أن هناك إعلامي محترف واحد يرى مشكلة في قيام محطة تليفزيون مستقلة بعقد لقاءات في واشنطن مع شخصيات مصرية وعربية وأمريكية على هامش الحوار مع الرئيس الأمريكي طالما أنها تتحمل كل النفقات وليس الحكومة الأمريكية.
ما حدث مع المذيعة الناجحة منى الشاذلي نتيجة طبيعية لاستقلالها وحيادها ونزاهتها وحرفيتها وهي ضريبة يدفعها أي إعلامي حر يحاول العمل وفق قواعد المهنة بعيدا عن الضغوط السياسية والحزبية!
جريمة منى الشاذلي الحقيقية -في رأيي الكثيرين -أنها نجحت فيما فشل فيه التليفزيون المصري!
نقلا عن جريدة ايلاف
امير