الرد على المقال المهم جدا
نحسبها بالعقل !!
جمال سلطان | 15-06-2011 01:55
عندما تريد أن تهدم دستورا اختاره ملايين المصريين أو تتجاوز نتائجه فلا بد أن تكون هناك كارثة متحققة أو خطر محدق ومؤكد يعرض الدولة للانهيار أو يستحيل معه انتظام عمل مؤسساتها المختلفة ، وبالتالي فمن حقنا أن نسأل "الجهابذة" الذين تفرغوا طوال الشهر الماضي من أجل الصريخ لتأجيل الانتخابات البرلمانية والبدء بإعداد الدستور المصري الجديد الآن ، وليس وفق الجدول الذي حدده الاستفتاء التاريخي يوم 19 مارس ، من حقنا أن نسأل الجميع : ما هو هذا الخطر المحدق والمروع الذي يهدد الدولة المصرية إذا أجرينا الاستفتاء في موعده .
إنهم يقولون لك أنهم يخشون من أن ينجرف الدستور الجديد بما يوافق هوى الكتل السياسية التي ستحظى بالغالبية في البرلمان ، وهذا كلام مصاطب ، وكلام مرسل ، والأهم فيه أنه لا يطرح أي ملامح لهذا "الانحراف" ، وتحديدا هم لا يطرحون أي نقاط حاسمة يرون من الخطر إهدارها أو تجاوزها في الدستور الجديد ، أو يخشون عليها ، ما هي هذه الأركان الدستورية التي تخافون من ضياعها وبالتالي تطالبون بإهدار الاستفتاء من أجل حمايتها ، حتى الآن لا شيء ، وأتحداهم أن يطرحوا خمس مواد فقط سيكون عليها صراع تضاد في إعداد الدستور الجديد ، وإذا استثنينا موضوع المادة الثانية للدستور ، والتي تحدد هوية الدولة العربية الإسلامية ، وهي المسألة التي تجاوزها الجميع الآن تقريبا ، بمن فيهم الأقباط ، لإدراك الجميع استحالة تمرير أي دستور إذا مس هذه النقطة تحديدا ، فالكل الآن متفق على عدم المساس بها ، وأما أي نقاط أخرى فليست في صلب التنازع الأيديولوجي خاصة مع الإسلاميين ، فلا هم مشغولون بنسبة العمال والفلاحين ، ولا هم مهمومون بقضية الكوتة ، فسواء بقيت النسبة أو الكوتة أو حذفت لن يغير ذلك من حضورهم السياسي أو يخصم من قدراتهم ، وأغلب التيارات لم تعد تلك القضايا محورية لهم ، فغالبية من يترشحون على العمال والفلاحين هم في الحقيقة لواءات شرطة أو جيش سابقون وأطباء ومهندسون ورجال أعمال ، وكل ما يحدث إذا اتفقوا على إلغاء النسبة أنهم سيترشحون كفئات.
أيضا ، أستغرب من أستاذ للقانون مثل محمد نور فرحات ، أن يلجأ إلى كلام "المقاهي" ـ بلا مؤاخذة ـ وهو يحاول تبرير موقفه المعادي لإرادة الشعب المصري التي تجلت في الاستفتاء ، بضربه الأمثال بأن البيت يبنى على قواعد ، وبالتالي فالدستور هو القواعد التي لا يمكن بناء البيت بدونها ، ونور فرحات مشكلته المزمنة التي تؤثر في مختلف مواقفه السياسية والفكرية وتجرفها عن جادة الصواب عصبيته الإيديولوجية اليسارية التي لم يستطع الفكاك منها رغم امتداد العمر ، متعه الله بالصحة والعافية ، وهو يعرف أن جميع الإجراءات التي يلجأ إليها هو نفسه الآن قضائيا أو سياسيا ، يستند فيها إلى "الأساس" الدستوري القائم ، لأن الإعلان الدستوري قام مقام الدستور ، لأنه لا يوجد دولة ـ بما أنها دولة ـ ليس لها دستور ، وهو أبو القوانين ، وجميع القرارات والعقود والاتفاقات الدولية والقوانين والمراسيم والأحكام التي تصدر الآن في الدولة لها كامل الشرعية ، بموجب هذا "الدستور" القائم ، فمن العبث أن تقول أن "الانتخابات" وحدها ، لا تملك شرعية بدعوى أنه لا يوجد الدستور ، هذا عبث ، وهلفطة سياسية يتعفف عنها الحكماء ، ناهيك عن أساتذة القانون .
والإعلان الدستوري الذي اعتمده المجلس الأعلى للقوات المسلحة لا يملك إسقاط المواد الدستورية التي صدق عليها الشعب ، لأن الشعب وحده هو الذي يصنع الدستور ، وإنما الإعلان الدستوري بنى على هذا المواد بما يكمل معالم الدستور المؤقت ، لحين الوصول إلى الدستور الجديد ، والذي قد يستغرق أشهرا كما قد يستغرق سنوات ، باعتبار أنه مفتوح على حوار واسع وعلى استحقاق انتخابي "استفتاء" يمكن أن يتكرر في حالة ما إذا رفض الشعب التصديق على مشروع الدستور المقترح ، وإن كان المأمول أن يتم الأمر بتوافق يسمح بإنجازه والقبول الشعبي به من أول مرة .
أغرب ما شملته "الهلفطة" السياسية في إطار تبرير دعوى إنجاز الدستور الآن وليس بعد الانتخابات ، هو أن من الظلم أن يسمح للقوى التي ستهيمن على البرلمان المقبل أن تنفرد باختيار لجنة إعداد الدستور ، وهذا كلام مهين للعقل فعلا ، وهو يعني أن البعض ما زال يعيش في أجواء انتخابات زكريا عزمي وأحمد عز ، بمعنى أن النتيجة يمكن معرفتها مسبقا من "الكونترول" ، فقد قرروا مسبقا أن الإسلاميين سوف يحصلون على أغلبية مقاعد البرلمان الجديد ، وناهيك عن كون ذلك اعترافا صريحا بالضحالة السياسية وضعف الحضور الشعبي وهامشيته لتلك القوى ، إلا أن الاجتراء على إهدار الاستفتاء الدستوري لمحض هذا "الهراء" هو أمر يصعب تصديق صدوره عن عقلاء ، ثم إن من المفيد أن نكرر التذكير مرة أخرى بما قلته سابقا ، من أن هذا المنطق لا يقطع المخاوف أبدا ، لأنه طالما أنت متيقن من أنهم سيمتلكون الأغلبية الساحقة في البرلمان المقبل ، فالخوف سيظل يلاحقك من قدرتهم على تغيير الدستور الذي ستعده اليوم ، لأن غالبيتهم المريحة في البرلمان تمنحهم الحق في تعديل الدستور إذا أرادوا ، بمعنى أن المبرر الذي يطرحونه لتقديم انجاز الدستور الآن مردود عليهم بأنه لا يحل الإشكال أصلا ، هذا إذا تجاوزنا سلسلة تساؤلات منطقية لا يحلها سوى البرنامج الوطني الذي حدده الاستفتاء ، مثل الاتفاق على الأشخاص يعد الدستور الآن ، هل بالتعيين أم بالانتخاب ، ومن يختارهم ، ومن الذي يفوض من يختارهم ، وماذا إذا حشدت "الغالبية" التي يخافون منها للتصويت ضد هذا الدستور الجديد ، هل سندور في الحلقة المفرغة .
almesryoongamal@gmail.com