بلال فضل
بأسرع مما توقعنا ظهر تفسير معتمد لأحلام الفريق السيسى، لكنه لم يأت من فضيلة شيخ الأزهر، بل جاء من مصادر سيادية قالت لصحيفة (المصرى اليوم) إن هناك «مخططا أمريكيا غربيا لإشاعة الفوضى وعرقلة ترشح السيسى للرئاسة»، وجاء فى نص الخبر أن الولايات المتحدة شرعت فى تنفيذ الخطة بالتنسيق مع ممثلين عن مخابرات ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل ومندوب عن حلف الأطلنطى، بعد اجتماع عُقد بقاعدة عسكرية أمريكية فى دارمشتاد بألمانيا، وأن أمريكا بالتعاون مع حلفائها ستستخدم أسماء 6 شخصيات متعاونة معها للترشح للرئاسة لعرقلة وصول السيسى إلى مقعد الرئاسة.
هكذا إذن، لن يصبح من حق أحد آخر أن يحلم بالرئاسة، لأن ترشحك للرئاسة صار طريقك إلى لبس قضية تخابر، إن لم يكن رسميا فعبر الحملات الإعلامية التى تضرب فوق الحزام وتحته وفين يوجعك، حيث سيصير على كل مرشح يرتكب حماقة الترشح أمام السيسى أن يخصص مؤتمراته الانتخابية للحلفان بالطلاق والنعمة الشريفة أنه ليس عميلا لمخابرات أمريكا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل وحلف الأطلنطى، هذا إن وجد متخلفا يوافق على أن يخوض مغامرة الذهاب لمؤتمره الانتخابى أصلا.
المسائل هكذا وسعت وبهوقت يا سادة، وأصبح مطلوبا من أجل لَمِّها أن يتخلى النظام الشاكم عن جو التلقيح والتسريب، لأنه إذا كنا قادرين بعون الله على اختراق حصون أعتى أجهزة المخابرات فى عقر دارها، فلماذا لا نعلن فورا قطع العلاقات مع هذه الدول التى تتآمر على مصير البلاد وتفكر فى حرمان الشعب المصرى من حكم السيسى له، لكى يفكر أى جرذ حقير متآمر ألف مرة قبل خوض قرار الترشح فى الانتخابات المقبلة التى لا أظن أنه سيكون هناك مبرر لإجرائها من أصله، وإذا كانت ظروف البرد القارس ستمنعنا من خوض الحرب الشاملة مع هذه الدول التى كشفت مصادرنا السيادية مؤامرتها فى الوقت المناسب، فإن ذلك يجب ألا يمنعنا من الإعلان الفورى عن قطع العلاقات الدبلوماسية معها، وقطع أيدى كل من تمتد يده إليها لطلب معونة أو بعثة دراسية أو حتى فيزة سياحة مع تخصيص لجنة رفيعة من المصادر السيادية لدراسة الحالات الخاصة التى تذهب للعلاج والتجارة لكى لا تكون مجالا لتسرب الجواسيس والخونة.
أعلم أن الظروف السياسية قد تتطلب من مصادر سيادية أخرى أن تعلن عن نفى تسريبات المصادر السيادية التانية، لكن المهم أن الرسالة قد وصلت وبات على الشعب أن يقرأها ويحدد موقفه، هل سيقف إلى جوار حلف شمال الأطلنطى، أم إلى جوار حلف تفويض السيسى الذى يعمل بجد على إعادة المصريين إلى عصور الكرامة التى كانت الانتخابات فيها مجرد استفتاءات لتأكيد الثقة فى زعيم ملهم وحيد، وليس للاختيار بين أصحاب برامج وأفكار ومشروعات، وللأسف فإن ما يعرقل سرعة إعادتنا إلى الماضى المجيد هو التساهل مع الخونة والعملاء الذين يدعون أنه تم سرقة إرادة الشعب فى 30 يونيو الذى خرج ليطالب بانتخابات رئاسية مبكرة، فإذا بالمسألة تصفصف على تحقيق أحلام رئاسية متأخرة.
دعنا من الهزل فى موضع العبث، ودعنى أقل لك إن كل من أعرفهم من المواطنين لم يعد يرهقهم شىء هذه الأيام بقدر ما يرهقهم ويقرفهم ويزعجهم مناخ الغموض وحالة اللوع وشغل التلات تسريبات، لأن رغبتهم فى أن يرسوا على بر جعلتهم مستعدين لاختيار أى «وضع» يؤدى إلى انقطاع الفرهدة ولو لبعض الوقت، حتى يتمكنوا من استعادة إحساسهم بالكون المحيط بهم، ولذلك بدلا من أن تواصل البلاد نزيف خسائرها الاقتصادية، وبدلا من أن يواصل الضباط والمجندون دفع ثمن الصراع على السلطة فى العمليات الإرهابية المتلاحقة، وبدلا من أن نستنزف الوقت والصحة والمرارة وما شابهها فى مناقشات عبثية من نوعية «طب إنت شايف مين على الساحة.. يعنى إنت شايف حد غيره.. طب هنعمل إيه طاه»، لماذا لا نتخذ من كوريا الشمالية نموذجا لنا فى الحسم والإنجاز، خاصة أن شعبها الصديق لديه سابق تجربة مع التفويض، ولذلك يمكن لنا أن نستفيد من تجربته، فبدلا من أن نخصص أماكن للتظاهر، علينا أن نخصص ساحات لإعدام كل من يعترض على خارطة الأحلام أو يطلب تفسيرها أو يمارس التنبيط عليها، على أن نترك لمن سيتم إعدامهم حق اختيار طريقة الإعدام المفضلة، شريطة ألا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية طبقا لتفسيرات المحكمة الدستورية العليا وتبريكات حزب النور.
لا أظن أن أحدا يمكن أن يتفلحس ساعتها، فيحذرنا من ردود أفعال المجتمع الدولى، خاصة بعد أن اتضح أن دوله الكبرى تقوم بالتآمر ضدنا «عيانا بيانا»، لذلك طالما العملية خسرانة خسرانة، علينا أن نجيب من الآخر ونعفق البلاد بما يحقق مصلحتها، حتى لو حكمت أن نخوض حربا شاملة مع تلك الدول المتآمرة، فنحن والحمد لله لا نشكو أبدا من احتياطى الأغانى الوطنية اللازمة لرفع مستويات الأدرينالين الوطنى إلى أقصى مستوياتها، ويمكن لنا فى حالة حدوث أى عجز أن نستعين بالمخزون التراثى المتراكم فى أرشيف الإذاعة التى طالما انتصرنا داخل مبناها على أعدائنا بفضل زعمائنا الملهمين الذين يعرفون مصلحة الشعب أكثر منه.
لا أعتقد أيضا أننا يمكن أن نعدم مباركة المثقفين الذين سيواجهون أى تذمر على هذه الإجراءات بالاستشهادات المنهجية بنماذج تاريخية ومعاصرة لدول أدركت أن بتر أورام المعارضة فيها أمر حتمى من أجل الشفاء والبناء، وإذا كانت الدماء التى سقطت حتى الآن ليست كافية لبناء الدولة العصرية المتقدمة الحديثة، فليس عيبا على الإطلاق أن نواصل سفك المزيد من الدماء من أجل بقاء جميع اللواءات والمسئولين ورؤساء الأحزاب والمذيعين ورؤساء التحرير والخبراء الاستراتيجيين والفقهاء الدستوريين على كراسيهم، خاصة وقد أتيحت لنا الفرصة التى لم تتح لمحمد مرسى فى أن ينفذ تهديده الشهير «وفيها إيه لما نضحى بشوية ناس عشان باقى الشعب يعيش».
يا سادة: هاتوا من الآخر، وخلوا الشعب يعيش، «وإنشالله يخربها مداين عبدالجبار».
اقرأ المزيد هنا: http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=15122013&id=e189b116-891c-40dc-9aee-aa2ad2f9b325