لو قدر لي أن أشترك في لجنة لتقييم البرامج التلفزيونية العربية على عمومها التي تهم الناس مباشرة، لما اخترت غير برنامج العاشرة مساء في فضائية (دريم).. قد يكون لي تحفظ على اسم الفضائية، لأنني ممن يفضلون اللغة العربية الأم في كل شيء وخاصة الأسماء الجماهيرية والتي تدخل البيوت.
برنامج العاشرة مساء يكاد يكون المثالي في الفضائيات العربية.. حتى بدون أن ندقق فيه يتضح لنا التالي: حضور مميز لمقدمته، هذا الحضور يعتمد على أشياء عديدة، نضوج في الشخصية الإعلامية المميزة. حضور ذهني، خلفية ثقافية مهنية، وهذه الخلفية لا تأتي من فراغ، بل تتمثل بعمل متكامل، يتمثل بالمواكبة للحدث، الإعداد الجيد، الالمام بما كان وما المفروض أن يكون.. وطبعاً تلك لا يمكن للسيدة (منى الشاذلي) القيام به بمفردها، إنما يتعاون معها جهاز كامل ومتكامل على مدار الساعة، وهذا الجهاز لابد أن يكون كبيرا ومتحركا عبر الساحة المصرية كلها ولديه تمرس فعلي بالصحافة المرئية تجعله يركض وراء الخبر أينما وجد. عندما نشاهد العاشرة مساءً وهي تركض خلف الخبر وخلف المسؤول، تأتي به ليجلس قبالة الإعلامية التي تتكئ على خلفية ثقافية كبيرة، تعرف الميدان جيداً، الميدان السياسي والإداري وتشعب القضايا، تندمج مع الحدث، وتنقله للمسؤول الجالس أمامها أو عبر الهاتف، تحس أنها غير مرتبطة بسماعة المخرج يوجهها، إنما تتوجه من ذاتها.
القضايا التي يتم طرحها كما قلت تمس المواطن العادي مباشرة، وهذه القضايا جادة ومؤثرة، ومؤلمة أحياناً، في حلقة يوم الثلاثاء الماضي، كان هناك أمران مؤلمان، واحد راح ضحيته أب وابنتاه، فالأب صاحب ملك كبير أراضي زراعية، استولى عليها الفلاحون، وذهب للمحكمة وحكمت له المحكمة حكماً واجب النفاذ بأن تعود أرضه له، لكن ذاك الحكم بقي حبراً على ورق، فكان أن أصبح يبيع كل ما يمكنه بيعه، لمتابعة الأمر، حتى دب به اليأس عندما علم أن التنفيذ لن يتم، وتضارب رأيان، واحد يقول أنه مات بالسكتة القلبية، والثاني يقول مات منتحراً والله أعلم، لكن البنتين لحقتا بأبيهما انتحاراً.
المشكلة هنا ليست مشكلة قرار محكمة فقط، ولا مشكلة قوات أمن وشرطة يجب أن تنفذ وينتهي الأمر، لأن الأمر لن ينتهي فكما فيه رجل غدر وسرق حلاله هناك فلاحون وأسرهم سيكونون في العراء، حتى وإن كانوا استولوا على الأرض.. لذا فإن المشكلة ستخلق مشاكل، ولكن كان يجب أن تحل بتضافر جهود الشرطة ووزارة الزراعة.
هناك مشكلة أخرى، رجل أمن لم يستطع ابنه أن يمتحن يوم الاثنين فحاول ومعه رجال أن يجعل ابنه يمتحن يوم الثلاثاء عنوة، دخل وخرب المدرسة وأجبر الطلبة على عدم تأدية الامتحان في ذلك اليوم، والقضية الكبرى أن الشرطة وضعت المدير مع المخربين في الحبس سواسية..
نأتي لمشكلة أخرى، عدم تواجد الماء في قرى يمر فيها النيل وكلام الناس وحده يعطي صورة للمعاناة، كذا اللافتات المرفوعة..
لا يخلو الأمر أحياناً من أشياء مضحكة ففي حوادث مصادمات بين قرويين، راح المغدورون يشتكون بأس الفريق الآخر للشرطة، لكن الشرطة احتجزتهم، عندما أبلغت النيابة العامة بذلك وحضرت ووجدتهم أمرت بإطلاق سراحهم، وعلم بالأمر كادر (العاشرة مساءً) انتقل المراسل للقرية، المضحك في الأمر أن المحتجزين خافوا بطش غرمائهم، فقالوا إنهم حجزوا أنفسهم بأنفسهم..
المهم أن هذا البرنامج، حي يواكب الحدث الداخلي صريح، تتمتع مقدمته بكل قدرات المذيعة ذات الذكاء المهني بكل ما تعني الكلمة، وربما أكثر.. وهذا ما يجعل البرنامج سيد البرامج..
شريفه الشملان