غضب الحزب الوطني الحاكم بمصر غضبة عظيمة، وأوشك أن يلجأ بالشكوى إلى الأمم المتحدة، لان برنامج 'العاشرة مساء' على قناة 'دريم' تجاوز في حقه، وتطاول على ذاته، وهي لمن لا يعلم، مصونة لا تمس، ولا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم!
البرنامج استضاف اثنين من الصحافيين، ليسا محسوبين على المعارضة، وقد انصب الحديث على اختيارات الحزب المذكور في انتخابات مجلس الشعب، ولم يسعدني الحظ بمشاهدته، لكن الحزب الباسل اعتبر ما قاله نصر القفاص مدير تحرير جريدة 'الأهرام' ومحمود نفادي نائب رئيس تحرير جريدة 'الجمهورية' تطاولا لا يليق، وتدخلاً منهما في شؤون الحزب الداخلية، وعليه فقد لجأ الحزب بالشكوى لرئيس لجنة رصد وتصحيح التغطية الإعلامية، وهي لجنة شكلها وزير الإعلام انس الفقي، أي أن 'البيت بيته'.
قادة الحزب الحاكم في مصر يذكرونني هنا بغضب الصبية، عندما يحتمي احدهم بمنزله ويصيح في الآخرين: 'كل واحد يلعب أمام بيته'، فالقوم في حالة نفسية سيئة هذه الأيام، لأن اختياراتهم للانتخابات البرلمانية أثبتت أنهم لا علاقة لهم بالسياسة دراسة أو ممارسة.
فالاختيار في السابق كان يتم قبل فتح باب الترشيح، لكن لأن هناك من يخرجون على الالتزام الحزبي ويخوضون الانتخابات ضد مرشحي الحزب، ولا يكترثون بالتهديد بفصلهم، ثم لا يجد القادة في أنفسهم غضاضة بعد ذلك من التسليم بالأمر الواقع، والقيام بضمهم للحزب لتحقيق ما يطلق عليه 'الأغلبية المريحة'.
لكن ذهن الأشاوس في الحزب الوطني تفتق عن حيلة تتمثل في إعلان قائمة المرشحين في آخر لحظة، لتفادي الانشقاقات، على أن يقوم أمين الحزب في كل محافظة بمهمة تقديم أوراق المرشحين، استناداً إلى توكيل موثق من الجميع بحق الأمين في التقديم، ويجوز له أن يسحب طلب الترشيح إذا ترشح صاحب التوكيل من وراء ظهره.
وهو توكيل مخالف للقانون، ولان الحزب يعلم هذا، فقد اخذ المتقدمين للترشيح على قوائمه أسرى حرب، فضلا عن أن الحزب في هذه المرة أقدم على تصرف غير مسبوق عندما رشح أكثر من نائب على المقعد الواحد، ليكون الحزب الحاكم ينافس الحزب الحاكم، وهو اتجاه عبقري، ويؤكد أن هذا الحزب رائد، ولا بأس فقد سحبت منا ' الجزيرة' الريادة الإعلامية، وإذا بحزبنا الحاكم يسبق كل الأحزاب على ظهر الكرة الأرضية بهذا التوجه، الذي قال عنه كتاب الحزب انه ينم عن 'فلسفة عميقة'!.
ربما كان قادة الحزب يظنون أنهم بما فعلوا قد قاموا بفتح في مجال السياسة، قد يمهد لهم الطريق للفوز بجائزة 'بوكر' في مجال الإبداع الروائي، لكن بعد أن فعلوا ما فعلوا وتحولوا إلى مسخرة من العيار الثقيل، فقد أصبحوا ينظرون إلى أن كل صيحة عليهم، واعتبروا ما جاء في برنامج 'العاشرة مساء' ماساً بالشرف، وعليه فقد تقدموا بشكوى إلى رئيس ما يسمى بلجنة رصد وتقييم التغطية الإعلامية ضد البرنامج والمحطة!.
أداء التلفزيون
لا اعرف هل رصدت اللجنة الموقرة أداء التلفزيون المصري، الذي هو ملك للشعب، انحياز برامج هذا التلفزيون للحزب الحاكم، وتحول الصحف القومية إلى نشرات لهذا الحزب، حيث تحتل بياناته وقوائمه العناوين الرئيسة، أم أن اللجنة أداة في يد صاحب الفضل في تشكيلها.
يبدو لي أن القفاص ونفادي أمسكا الحزب الحاكم من 'يده الموجوعة' فصرخ صرخة مدوية، وتمثلت الصرخة في شكوى الاحتجاج لرئيس لجنة الرصد، وجاء فيها، بالإضافة إلى الحديث عن الشؤون الداخلية للحزب، أن البرنامج لم يلتزم بالحياد، فلم يكن هناك ممثل للحزب المذكور.
تتحدث عن الرقابة الدولية على الانتخابات، فيقولون نرفض أن يتحدث غريب في شؤوننا الداخلية، وينتقد صحافيان الطريقة المرتبكة لاختيار المرشحين للحزب، فيقولون إن هذا حديث في شؤوننا الداخلية.. كأن الوطن والحزب هما حجرة نوم، يجتمع فيها القوم مع الزوجات وما ملكت اليمين، ولا يجوز لأحد أن يخترق الأبواب، أو يتحدث في شأن الأعراض.
حديث 'جماعة الخير' عن الحياد الإعلامي يبدو نكتة، لان التلفزيون المصري يتحول إلى جلسات نميمة ضد خصوم الحزب الحاكم وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين في غيبة منهم.
وعموماً فإذا كان رد فعل قادة الحزب الحاكم على برنامج 'العاشرة مساء' لافتاً للانتباه، فان مما يلفت الانتباه أيضا هي لحظة الاستئساد الكبرى التي عاشها صاحب القناة والمدير العام، إذ قالا في 'نفس واحد' نحن لم نخطئ وبالتالي لن نعتذر للحزب.
الله أكبر يا رجال. فقد تمنيت أن تكون هذه اللحظة وأهل الحكم يتدخلون ويمنعون محمد حسنين هيكل من تقدم برنامجه على 'دريم'، كما تمنيت أن تكون وهم يطلبون طرد حمدي قنديل.. والملاحظ أن صاحب القناة في الحالتين قد رضخ للتعليمات، ولم نسمع صوتاً للمدير العام.
يقولون ان هناك حبوبا للشجاعة تباع في الصيدليات.. أرجوك اعطني هذا الدواء!.