يتمتع برنامج «العاشرة مساءً» الذى يقدم فى قناة دريم منذ سنوات بأمرين أجمع عليهما الجميع: أولهما هو المصداقية الشديدة والتحقق من الخبر بأقصى طريقة ممكنة والحرص على أن تكون جميع وجهات النظر المختلفة متواجدة فى الحوار بصورة متكافئة، والأمر الثانى هو أنه أكثر البرامج جماهيرية وشعبية ليس فى مصر فقط بل فى العالم العربى، وأيضاً عند المصريين المقيمين فى أوروبا وأمريكا.
ترجع شهرة هذا البرنامج إلى المستوى التقنى والكفاءة العالية لمجموعة محترفة ومتخصصة تعمل بإيمان شديد بأهمية العمل الذى تقوم به بحرفية شديدة، وبالتأكيد معظم المعدين للبرنامج على مستوى عال من الخبرة والثقافة والتدقيق فى صحة المعلومات وعندهم الحس بأهمية الخبر الجديد وما هو الخبر الذى يريد أن يشاهده الرأى العام.
هذا المجهود الكبير خلف الكاميرا الذى لا يشاهده أحد يتوج بإعلامية لها صفات نادرة ومتميزة، أولها هى أنها ليست مقدمة برنامج ولا محاورة فى برنامج فقط ولكنها بالتأكيد مشاركة فى صناعة هذا البرنامج عن طريق اشتراكها فى الإعداد وبالرغم من أنه ليست عندى معلومات عن مشاركتها فى الإعداد من عدمها فإن هذه الكفاءة فى الأداء لا يمكن أن تتأتى إلا لشخص مهنى بالدرجة الأولى شارك فى إعداد ما سوف يناقشه وقام بدراسته،
ولا يمكن أن يتم ذلك فى برنامج يومى إلا لشخص مثقف عنده معلومات عامة ووعى بما يحدث فى مصر والعالم، وعنده قدرة على امتصاص قدر كبير من المعلومات الدقيقة عن أى موضوع فى وقت بسيط، وهذا يتأتى لشخص موهوب ولكنه أيضاً يفكر ويقرأ ويحضّر لعمله ليل نهار.
الشىء الآخر الذى تشاهده فى البرنامج هو الحياد بين الأفكار المطروحة مع التدخل بأسئلة تساعد المشاهد على أن يعرف أين الحقيقة وأين الحق بين وجهتى النظر. وفوق ذلك كله فإن منى الشاذلى تعلو وجهها دائماً ابتسامة بشوشة وهدوء حتى فى أصعب المواقف مع موقف ثابت من احترام الضيف أو المتداخل تليفونياً فى جميع الأحوال وعدم الاستخفاف بأحد. وأخيراً فإن عندها درجة عالية من الحساسية بمعرفة الخبر والموضوع المهم الذى سوف يصبح حديث الجميع ولذا يكون هو موضوعها الأساسى.
هذا عن برنامج «العاشرة مساءً» ومنى الشاذلى ومعدى البرنامج. فماذا عن الحزب الوطنى؟ لقد أرسل الحزب الوطنى الديمقراطى إنذاراً إلى منى الشاذلى لأنها كانت متحيزة ضد الحزب فى برنامج بخصوص انتخابات مجلس الشعب، وبالمصادفة كنت قد شاهدت جزءاً من هذا البرنامج وكان الضيفان الأستاذ نصر القفاص، الصحفى بجريدة الأهرام القومية، والأستاذ محمود نفادى، الصحفى البرلمانى بجريدة الجمهورية القومية أيضاً.
فمبدئياً هذان الصحفيان لا يمكن أن يكونا منحازين للمعارضة وكان إجابات كليهما عن رأيهما فى اختيار مرشحى الحزب الوطنى، خاصة موضوع الدائرة المفتوحة باختيار عدة مرشحين للحزب الوطنى فى دائرة واحدة كلها إجابات موضوعية، وطرحا تساؤلات كانت حديث المواطن العادى حتى المؤيد للحزب الوطنى.
ولأن كليهما متخصص فى الشؤون الحزبية والانتخابات والبرلمان كان النقاش واضحا بأن هناك مشكلة، ولم يكونا ضد الحزب الوطنى بل قالا ما يعتقدان أنه الحق. لا أدرى لماذا قدم الحزب الوطنى هذا الإنذار، هل كان يريد أن يحضر اثنان من الصحفيين أحدهما من المعارضة والآخر من الوطنى كما تقتضى الأصول التى يلتزم بها البرنامج ولكن القناة تغاضت عنها نظراً لظروف الضغوط الرهيبة التى تتعرض لها وسائل الإعلام المصرية؟!
هل يريد الحزب الوطنى أن يحاكم كل الصحفيين المحترمين فى الصحف القومية ويطالب بإيقافهم إذا قالوا كلمة حق؟ هل لابد لكتّاب الصحف القومية أن يكتبوا ويقولوا ما لا يؤمنون به ويتزلفون للقيادات حتى يكون لهم مكان؟
هل كان يريد الحزب الوطنى أن يشترك اثنان من الصحفيين الذين يطلق عليهم أنهم «ملاكى» للنظام فيغلق الجميع التليفزيون أو يتحولون إلى قناة الجزيرة؟
لقد تم إغلاق الدستور وتنحية عمرو أديب فى الأوربيت، وهناك ضغوط تفوق التخيل على القنوات الفضائية والصحف. هل الغرض هو إلغاء برنامج «العاشرة مساءً»؟ هذه الضغوط لمصلحة من؟
إن نتائج الانتخابات التى سوف تجرى فى مصر ومدى شفافيتها ومصداقيتها سوف تكون معلومة للعالم كله فور انتهائها، كما كان الجميع يعرف أن الانتخابات التى تمت فى العقود الثلاثة الأخيرة شابها أكبر حجم من التزوير باستثناء المرحلة الأولى من انتخابات ٢٠٠٥.
فمهما فعل النظام لن يستطيع إخفاء الحقيقة، ولذا لست أدرى لماذا هذا الهلع من الحريات المحدودة المتروكة لوسائل الإعلام. الأمر فى تقديرى خوف ليس له معنى، فالنتائج معروفة مسبقاً. هل تريد الدولة أن تصبح المشاهدة بالكامل للقنوات غير المصرية؟
فى عصر عبدالناصر كانت وسائل الإعلام والصحافة كلها تحت رقابة شديدة، ولكن هذا كان هو الأمر الطبيعى والعادى فى كل أفريقيا وأمريكا الجنوبية وأوروبا الشرقية وآسيا باستثناء اليابان والهند. الآن كل العالم قد تحرر وكل الصحف والفضائيات فى الدنيا أصبحت حرة باستثناء المنطقة العربية.
أليس من حق مصر التى كان عندها مجلس تشريعى فى القرن التاسع عشر وجامعة حرة فى أول القرن العشرين ودستور ديمقراطى فى عشرينيات القرن الماضى- أليس من حقها أن تحاول اللحاق بالعالم المتقدم؟
ألا تعلم الدولة أن إغلاق الأبواب أمام الإعلام الحر وأمام الجامعة الحرة وأمام البحث العلمى الحر هو دعوة لانتشار الفساد والتخلف؟
تحية خاصة لمنى الشاذلى وبرنامج «العاشرة مساءً» وجميع الذين يعدونه.. ويا شعب مصر العظيم أنت تستحق أكثر من ذلك.
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=278077&IssueID=1961
الشحات مرزوق - المحمودية
http://almostkbl2010.malware-site.www/