بقلم د. حسن نافعة ١/ ٥/ ٢٠١١
لا يكفى اعتقال رموز النظام القديم فى مصر، وتقديم من يثبت تورطه فى ارتكاب الجرائم المنسوبة إليه إلى محاكمة تتطلب ضمانات الجدية والعدالة لها توافر شرطين إضافيين، الأول: أن يمارس القضاء عمله فى استقلال تام دونما تدخل فى شؤونه من أى طرف كان، والثانى: الحرص على أن يعهد بهذا النوع من القضايا، التى تتسم بقدر كبير من الأهمية والحساسية معا، إلى قضاة تتوافر فيهم أقصى درجات الحيدة والنزاهة. ولأن القضاء المصرى خضع لسنوات طويلة لنظام سياسى تعمد التدخل فى شؤونه الداخلية بل والعمل على إفساد من تستطيع شراء ذممهم من القضاة، فمن الطبيعى أن تثور شكوك قوية ومبررة حول جدية المحاكمات التى تجرى حاليا لرموز هذا النظام. وأظن أنه آن الأوان لكى يأخذ صناع القرار فى مصر هذه الشكوك على محمل الجد وأن يعملوا على تبديدها بسرعة، وإلا واجهت البلاد فى المستقبل القريب مشاكل قد تخرج عن نطاق السيطرة.
لا شك أن البيئة التى تعمل فيها المؤسسة القضائية المصرية تغيرت جذريا بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، ومن ثم فقد أصبحت لديها فرصة أفضل للعمل بشكل مستقل نسبيا عما كان سائدا فى ظل النظام القديم. غير أنه يتعين فى الوقت نفسه أن نضع فى اعتبارنا أن القضاء فى مصر لن يتمكن من تحقيق استقلاله الكامل إلا بعد إتمام سلسلة من الإجراءات القانونية والدستورية يصعب أن تكتمل قبل الانتهاء من صياغة وإقرار دستور جديد للبلاد. ولأنه ليس من المنطقى أن يطالب أحد بتأجيل محاكمة رموز النظام القديم إلى أن يتم الانتهاء أولا من صياغة وإقرار هذا الدستور الجديد أو الانتهاء من عملية تطهير شاملة، باتت ملحة، لاستئصال جذور الفساد فى مختلف قطاعات الدولة، ومنها القضاء، فليس أمامنا سوى المراهنة والاعتماد على حالة اليقظة الشعبية الراهنة لصد المحاولات التى تجرى حاليا لعرقلة سير العدالة ومنعها من القصاص من رموز النظام القديم.
واتساقاً مع حالة اليقظة هذه، التى تبدو مصر فى أمس الحاجة لضمان استمراريتها وتواصلها إلى أن يشتد عودها ويكتمل نضجها، يبدو واضحا أن قطاعات عريضة من الشعب المصرى تتابع باهتمام بالغ، ولكن أيضا بكثير من القلق وعدم الارتياح، ما يجرى وراء كواليس محاكمة اللواء حبيب العادلى، وزير الداخلية الأسبق، و٦ من كبار مساعديه. فرغم بشاعة التهم الموجهة إليهم، التى تشمل الاعتداء على المتظاهرين إبان ثورة ٢٥ يناير وقتل وجرح الآلاف منهم والتسبب فى إحداث حالة من الانفلات الأمنى ألحقت أضراراً مادية ومعنوية جسيمة بالبلاد، لاتزال قوى نافذة فى الدولة تسعى بقوة وتصميم للالتفاف على هذه المحاكمة والعمل على نزع أنيابها مبكرا. فقد فوجئ الرأى العام المصرى بإحالة قضية العادلى إلى دائرة يرأسها قاضٍ عرف بتبعيته الكاملة لأجهزة الأمن، ألا وهو المستشار عادل عبدالسلام جمعة، ومازالت أوساط وتيارات معينة تصر فى عناد وتصميم واضح على ألا تنظر هذه القضايا إلا أمام هذا القاضى بالذات، على الرغم من كل ما نشر عنه، والذى يسىء ليس فقط إلى سمعته هو وإنما إلى سمعة القضاء ككل.
كنت قد نشرت مقالا بتاريخ ٢٩/٣، حمل عنوان «ضمير القاضى»، أشرت فيه إلى وثيقة سرية، أصبحت شهيرة الآن، كشفت النقاب عن وجود علاقة عمل قوية تربط بين القاضى المذكور وجهاز مباحث أمن الدولة. ولأنه كان القاضى نفسه الذى سبق له إصدار أحكام شديدة القسوة فى حق معظم المعارضين السياسيين، من أمثال سعدالدين إبراهيم وأيمن نور وخيرت الشاطر ومجدى حسين وغيرهم، وهو ما يصعب اعتباره مجرد مصادفة، فقد كان من الطبيعى أن تصبح الدائرة التى يرأسها محل شكوك وتساؤلات مشروعة. لذا عبرت فى مقالى المشار إليه عن دهشتى من أن تسند قضية العادلى إلى هذه الدائرة بعد ثورة يناير ونبهت إلى ضرورة القيام بحركة تطهير شاملة فى مختلف القطاعات، بما فى ذلك القضاء، لحماية الثورة من عبث القوى المضادة. ثم، وفى ١٤/٤، نشرت مقالا ثانيا حمل عنوان «شكوك وهواجس مشروعة» تضمن معلومات خطيرة، نشرت لأول مرة، عن قيام جهاز أمن الدولة السابق بتوفير سيارة خاصة للقاضى عادل عبد السلام جمعة (ذكرت أرقامها ومكان تسجيلها)، ومعها سائق تابع للجهاز (ذكرت اسمه)، وطاقم حراسة مكون من أحد عشر شخصاً، مع تكفل الجهاز بتغطية جميع التكاليف. وقد طلبت من النائب العام التحرى عن صحة هذه المعلومات وإخطار مجلس القضاء الأعلى بالنتيجة.
ولأن أحدا لم يحرك ساكنا، قمت فى ٢١/٤ بنشر مقال ثالث حمل عنوان: «التقرير والوزير والقاضى»، علقت فيه على تقرير لجنة تقصى الحقائق فى أحداث «واقعة الجمل»، والذى وجه اتهامات خطيرة لوزير الداخلية، وطالبت صراحة بضرورة تنحية القاضى المذكور، إما طواعية، من تلقاء نفسه، وإما كرهاً بقرار من الجهات المختصة، وهو ما أيدنى فيه بشدة كتاب آخرون، من بينهم الأستاذ فهمى هويدى، ومع ذلك لم يتحرك أحد. وقد استفز صلف القاضى وعناده، من ناحية، وصمت الأجهزة المعنية، من ناحية أخرى، شرفاء القضاة، وهم الأغلبية الساحقة من هذه المؤسسة التى نعتز جميعا بصمودها، لدرجة أن بعضهم لم يتردد فى إبداء وجهة نظره كتابة فى هذه القضية الشائكة والحساسة. وقد اخترت من بين رسائل عديدة وصلتنى، رسالة للمستشار زغلول البلشى، نائب رئيس محكمة النقض، نشرتها بتاريخ ٢٦/٤، وهو نفس اليوم الذى انعقدت فيه الجلسة الأولى للمحكمة، تحت عنوان «تنح أيها القاضى.. تنح وكفى»، وهو بالغ الدلالة فى حد ذاته، تطالب القاضى بالتنحى «ليحفظ على نفسه سمعتها وللقضاء هيبته وجلاله». غير أن هذه المناشدات والمطالبات ضاعت كلها هباء. لذا استنتج كثيرون أن جهاز أمن الدولة مازال حيا يرزق، رغم تغير المسميات، ويعمل بكفاءة وبنفس الأساليب القديمة، ومازال يقدم الدعم بقوة إلى القاضى المذكور ويشجعه على عدم التنحى. يدعم من هذه الاستنتاجات معلومات جديدة، حصلت عليها مؤخرا، تشير إلى أن الجهاز المذكور قام بتغيير السيارة القديمة وأمد القاضى بسيارة جديدة تحمل أرقام (.....) ملاكى القاهرة. وبعد أن تغيب السائق القديم عدة أيام عاد ليقود السيارة الجديدة!.
لا أعتقد أن شرفاء القضاة والمطالبين بالحق المدنى سيستسلمون لعناد هذا القاضى وإصراره المريب على نظر دعوى حبيب العادلى بالذات رغم كل الشبهات والشكوك التى تحيط به، ولن يعدموا وسيلة تتيح لهم إمكانية رده وإجباره على التنحى لأن استمراره بات يشكل خطرا جسيما على العدالة. فالقاضى الذى يمتلك جرأة كافية تدفعه لتخفيف حكم الإعدام الصادر ضد هشام طلعت مصطفى، لن يتورع عن إصدار حكم مخفف على وزير الداخلية ومساعديه، وربما يجد وسيلة لتبرئتهم!. وهناك نقطة مهمة يبدو أن أحدا لم يلتفت إليها بالقدر الكافى حتى الآن وأتوقع أن تفتح ثغرة كبيرة فى جدار هذا العناد. فقد تبين لى أن عضو اليسار فى هذه الدائرة، وهو الدكتور أسامة أنور جامع، تخرج فى كلية الشرطة عام ١٩٧١، وهى الدفعة نفسها التى تخرج فيها ثلاثة من المتهمين فى قضية العادلى، هم: اللواء حسن عبدالرحمن، مساعد وزير الداخلية رئيس جهاز مباحث أمن الدولة السابق، واللواء إسماعيل الشاعر، مدير أمن القاهرة السابق، واللواء عدلى مصطفى فايد، مدير الأمن العام السابق. وتلك معلومات تقلب معطيات قضية التنحى رأساً على عقب.
من المعروف أن القانون يوجب على القاضى أن يتنحى طواعية عن نظر الدعوى إذا كان عرضة للأهواء فيها، فإذا لم يردعه ضميره ومضى قدما فى نظر القضية المثيرة للجدل، يمكن للخصوم حينئذ رده بالقانون. أما إذا أصر وأصدر حكما فى القضية فيصبح منعدما ويضحى هو نفسه عرضة للمسؤولية. وتنظم المواد ١٤٦-١٦٥ من قانون المرافعات الحالات التى يمكن فيها رد القاضى، وهى عشر يهمنا منها هنا الفقرتان ٣ و٤ من نص المادة ١٤٨. فالفقرة ٣ تنص على جواز رد القاضى «إذا كان أحد الخصوم خادما له، أو كان هو قد اعتاد مؤاكلة أحد الخصوم أو مساكنته، أو كان قد تلقى منه هدية قبل رفع الدعوى أو بعدها».
وتجيز الفقرة ٤ من المادة نفسها رد القاضى «إذا كان بينه وبين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعة الحكم بغير ميل». وأظن أن ما ورد بكلتيهما ينطبق نصا وروحا على وضع الدكتور أسامة أنور جامع، عضو اليسار بالمحكمة. فبحكم زمالته فى كلية الشرطة ولأربع سنوات متتالية من الطبيعى أن يكون قد «اعتاد مؤاكلة ومساكنة وتلقى هدايا» من ثلاثة من الخصوم المدرجة أسماؤهم فى القضية!.
فهل يملك أحد، فى ضوء كل هذه الحقائق، تفسيرا لما يجرى؟ أليس من حق الشعب الذى ضحى بما يقرب من ١٠٠٠ شهيد وسبعة آلاف جريح أن يتشكك فيما يجرى؟ هل هناك من تفسير للإصرار على إحالة قضية العادلى إلى هذا القاضى بالذات، أو أن يكون الرئيس الحالى لهيئة الطب الشرعى هو من يتولى الكشف الطبى على الرئيس المخلوع لتقرير صلاحية نقله إلى مستشفى سجن طرة؟ أليس من حق المواطنين فى ظروف كهذه أن يتشككوا فى النوايا؟ أظن أن الشعب المصرى لن يطمئن على ثورته إلا إذا قامت الحكومة ببدء حملة تطهير حقيقية لاستئصال بقايا النظام القديم. فقد باتت مثل هذه الخطوة شرطاً ضرورياً لا يمكن بدونه تأسيس نظام جديد أكثر ديمقراطية.
رأي المدون :
عندما يقوم الطبيب الماهر بإجراء عمليه جراحيه لابد أن يقوم بتطهير كامل للجرح بعد إجراء العمليه خوفا من تحلق أي ميكروبات فيه أو حوله وربما يعطي المريض المضادات الحيويه اللازمة لمقابلة أي ميكروبات قد تتسرب إليه .
لقد قمنا في مصر بأكبر عمليه جراحيه للنظام المصري بخروج أكبر طاغيه في تاريخه من الحكم .
ولكن الطبب المعالج ( الحكومة ) لم يقم بالإجراءات اللازمة لتطهير الجرح وإبعاد كل انواع الميكروبات التي تتحلق حوله لإفساد العمليه الجراحيه .
لابد من تطهير كل العناصر الهدامة السابقة وكل أعوان وفلول النظام القديم . حتى نضمن أن يقفل الجرح على نظافة بدون أ إنتكاسات لا يكون سببها إلا مقاومة أعوان النظام القديم للإصلاح بهدف الحفاظ على مصالحهم فقط .
أيها الجراح إستخدم الأدويه والحقن وإن إستدعى الأمر إلى إستخدام المشرط فإستخدمه بكل قوه.
التاريخ يسجل