حين اكتشف كريستوفر كولومبس أمريكا وجد الأوربيون ضالتهم في التخلص من مجرميهم و على الفور قاموا بإبعادهم و تهجيرهم ليلقوا بهم في أرض الهنود الحمر، و كعادة المجرمين استباحوا دماء الهنود الحمر بأسلحة لم يكن يعلمها هؤلاء الهنود الذين كانوا مازالوا يعيشون حياة بدائية. فأباد المجرمون الهنود الحمر و من بقي منهم حشروهم في المكسيك، وبذلك احتل مجرموا أوروبا أرض الهنود و سموها فيما بعد بالولايات المتحدة الأمريكية.و مما يثير الإعجاب والتأمل أن هؤلاء المجرمون بنوا أعظم قوة عسكرية واقتصادية على وجه الأرض، و أعطوا العالم دروساً في أهمية العنصر البشري و كيفية الاستفادة من قدراته و إمكاناته بل و تحويله من إنسان مجرم بدون فائدة تنفق عليه الدولة في سجونها إلى أعظم إنسان على وجه الأرض.
و حقيقة و رغم ما أكنه في قلبي من كراهية للممارسات الأمريكية إلا أنني لا أستطيع إخفاء إعجابي بتجربة الأمريكان في تأسيس دولتهم على الرغم من إجرامهم، وهو ما أوحى لي بفكرة استغلال المذنبون في السجون المصرية لتعمير توشكى. و بالتأكيد سوف يتبادر السؤال للأذهان لماذا و صفت الأمريكان بالمجرمين في حين وصفت المصريين بالمذنبين؟ و ذلك لأن الأوربيين أذنبوا في بلادهم و أجرموا بانتقالهم لبلاد غيرهم و قتلهم لسكانها الأصليين و احتلال أراضيهم، في حين أن المصريين لم ينتقلوا لأرض غيرهم و لم يقتلوا أحداً.
وكي لا أطيل سأعرض فكرتي في تعمير توشكى.
أنفقنا مليارات الدولارات في خطة شاملة لتعمير توشكى منذ أكثر من 25 سنة و هي الآن معدة لاستصلاح أراضيها و تكمن المشكلة الحقيقية في عدم رغبة المصريين في ترك محافظاتهم و أهليهم و العيش في توشكى و لكن لو فتحنا توشكى كسجن كبير للمذنبين في السجون المصرية والمحكوم عليهم بأكثر من سنة سوف نجد ضالتنا في تعمير توشكى حيث سنكون قد تخلصنا من المشكلة الكبرى و هي العمالة.
سنبني مجتمعاً جديداً به مدرسة و مستشفى و وحدات سكنية تستقبل عائلات المسجونين أوقات زياراتهم المحددة ليعيشوا أجواءً أسرية لفترات محددة بها نوع من المتعة كي يحدث التشويق بمرور الوقت.
سوف يعمل السجناء في استصلاح الأراضي كالتي استعادتها الدولة من الوليد بن طلال، و سوف ندرس خطة فيما بعد لتملك هؤلاء السجناء بعض هذه الأراضي مع عائلاتهم لمن يريد على اعتبار أن من بينهم من يتوقع أن يقضي بقية حياته هناك في سجن توشكى فلماذا لا يعيش هذه الفترة مع أسرته و بين أبنائه في أجواء نقية لا تلوث فيها و لا ضوضاء و منهم من سيعتبر نفسه مسافراً مع أسرته للعمل خارج مصر لمدة عشرين سنة مثلاً، و من بينهم من لديه اعتبارات أخرى.
سوف نتوقع أن من بين هؤلاء المذنبون من رجال الأعمال أمثال هشام طلعت مصطفى و حسام أبو الفتوح و غيرهم من رجال الأعمال فلماذا لا نعقد معهم صفقات لبناء المجتمعات هناك بأموالهم.
ماذا لو عرضنا على هشام طلعت مصطفى مثلاً أو حسام أبو الفتوح تخفيف سنة مقابل استصلاح 1000 فدان. وفي النهاية القوانين المصرية تسمح بالخروج من السجن لحسن السيرة و السلوك، أو لانقضاء نصف المدة أو لعفو بسبب الأعياد أو ما شابه، فلماذا لا نعقد مثل هذه الصفقات. سوف نتوقع استصلاح مئات الآلاف من الأفدنة على نفقة رجال الأعمال الذين يريدون العودة لحياتهم.
و بذلك سنكون قد ساهمنا في إشعار هؤلاء المذنبون بأنهم أناس منتجون يساهمون في بناء اقتصاد الوطن يستطيعوا أن يقدموا أعمالا جليلة للوطن و هذا سوف يشعرهم بالانتماء و الولاء أيضاً، و نكون قد بنينا مجتمعاً جديداً نستطيع أن نضيف إليه المصانع و نشيد به المساكن و الطرقات و نوفر به كل سبل الحياة الكريمة كمحافظة جديدة.
وسوف نجد من بين هؤلاء من يرتبط بالأرض فلا يستطيع أن يتخلى عنها فيما بعد.
فهل أعجبتكم الفكرة؟
تحياتي.