بقلم أسامة هيكل ٣٠/ ٤/ ٢٠١١
كنا نعرف أن فسادا انتشر فى مصر خلال العقدين الماضيين لم يكن يحتاج جهدا خارقا لرصده.. ولكن أحدا لم يكن يتصور أن هذا الفساد بهذا الحجم الذى نتابعه حاليا.. كل هذا الفساد الرهيب الذى يذهل الجميع يجعلنى أتعجب من بعض الطيبين من المصريين الذين يبدون تعاطفا مع الرئيس السابق ويطالبون بعدم تعريضه للمحاكمة والاكتفاء بأنه خرج من السلطة، كما أتعجب من بعض الدول العربية التى أفادت التسريبات الإعلامية أنها تحاول إثناء مصر عن محاكمة الرئيس السابق.
والمؤكد - من الناحية القانونية - أن محاكمة الرئيس السابق أمر داخلى لاعلاقة لدولة أخرى به، ولا يصح أن يتدخل فى هذا الأمر أى طرف خارجى.. كما أن أحدا لا يملك الآن التراجع عن المضى قدما فى محاكمة مبارك الذى تلاحقه الاتهامات حاليا.. فالمحاكمة ليست عقوبة ولكنها وسيلة للتحقق من الاتهامات وإصدار قرار بالإدانة أو البراءة.. والقاعدة أن المتهم برىء حتى تثبت إدانته، ولو قضت المحكمة بالإدانة أصبح حق المجتمع أن يقتص، وإذا كان بريئا ينتهى الأمر..
فالفيصل بيننا وبينه هو القانون المصرى.. ومن هنا فالمحاكمة ليست اختيارية، ولا تخضع لهوى أو مزاج، أو لرؤية شخصية، فالتغيير لمرحلة جديدة ينبغى أن يجعل جميع المواطنين أمام القانون سواء.
وما نسمعه الآن من اتهامات بالتربح واستغلال النفوذ والتى تلاحق كبار رجال النظام السابق لا يمكن أن تكون جرائم عادية يحاسب عليها مرتكبوها فقط، فلو ثبتت هذه الاتهامات ستكون بمثابة جريمة ضد شعب بأكمله تستوجب محاسبة الرئيس السابق نفسه الذى كان مؤتمنا على ثروات وموارد الشعب كله..
وهؤلاء الكبار المتهمون لم يفعلوا اعتقادا بأن ذلك من حقهم، واستنادا على الرئيس الذى كانوا يثقون فى أنه لن يحاسبهم وأنهم مستثنون فى عهده من القانون، وبينهم من كانوا يقومون بمهمة التشريع وتفصيل القوانين بالطلب، فتضخمت ثرواتهم، وبات الشعب كله فقيرا يعانى من ضيق العيش.
وكل هؤلاء المتهمين لم يكونوا بعيدين عن الرئيس السابق، فهو واحد منهم، وبينهم نجلاه ورئيس وزرائه، ورئيسا برلمانه، ورئيس ديوانه، ووزير داخليته، ووزير إسكانه، ووزير إعلامه، ووزير سياحته، وقيادات حزبه، ورجال أعمال اقتربوا منه واقترب منهم.. كلهم رجاله.. ولولاه ما وصلوا لمواقع المسؤولية فى عهده، ولولاه ما استمروا فى مناصبهم.
عشرات المليارات التى يتم الكشف عنها يوميا كثروات لهؤلاء لم تصنع فى يوم وليلة، ولم تكن خافية عليه، فقد كانت لديه أجهزة معلومات تقدم له تقارير عن كل شىء، ولا أتصور أنه لم يكن يقرأ تقارير عن ثروات المسؤولين فى عهده..
ولكنه كان يتجاهل ما يشاء منها، ويستخدم ما يشاء وقتما يشاء ضد من يشاء.. القانون لا يطبق إلا حينما يأمر.. فكان لدينا جهاز للكسب غير المشروع لم يعمل منذ نشأته كما يعمل الآن، بل إن ملايين المصريين لم يكن لديهم علم بوجوده إلا هذه الأيام من كثرة تردد كبار رجال الدولة السابقين عليه للتحقيق فى ثرواتهم.. ورغم ذلك كان الرئيس السابق يواجه بطلبات العمال والموظفين لزيادة الأجور، فكان يرد قائلا: ياريت، ولكن أجيب منين؟
وكثيرا ما كان يردد أن اقتصاد مصر منهك لأن مصر خاضت حروبا أربعاً أرهقت هذا الاقتصاد، وكان آخر هذه التصريحات العام الماضى، أى بعد مرور ٣٧ عاما على آخر حرب خاضتها مصر منها ٣٠ عاما فى عهده.. فكيف ربح رجاله كل هذه المليارات رغم هذا الاقتصاد المنهك؟ الحقيقة الواضحة الآن أن الفساد فى عهده كان السبب فى هذا التدهور الاقتصادى.
طالما شكونا من أحمد المغربى وزير الإسكان فى عهده، وقلنا إنه حوَّل وزارة الإسكان إلى وزارة للاتجار فى أراضى الدولة، وتسابق بسياساته مع السوق السوداء بدلا من أن يواجهها، فتوحشت أسعار الوحدات السكنية، ولم يعد ممكنا الحصول عليها إلا للأغنياء فقط.. وبدلا من أن يوقفه الرئيس عند حده، سمعنا شائعات عن احتمال توليه منصب رئيس الوزراء، بل إنه كان مسؤولا عن تنسيق كل زيارات الرئيس السابق خلال السنوات الأخيرة، وكان يفعل الشىء نفسه مع نجل الرئيس لتسويق مشروع التوريث.. والمغربى كان مجرد مثال واحد فقط لطريقة تعامل الرئيس.
الحقيقة المؤكدة التى تتكشف هذه الأيام أن مصر لم تكن تدار خلال عهد الرئيس السابق حسنى مبارك باعتبارها دولة لها مصالح ويحكمها قانون، ولكنها كانت تدار كوسية، يطبق فيها القانون اختياريا وحسب الهوى والمزاج، ولو كان القانون يحكمنا لما كنا وصلنا لهذا المنحدر الصعب الذى نمر به الآن، ولما تراكمت قضايا الفساد بالمئات أمام النائب العام وأمام جهاز الكسب غير المشروع.
فقدت مصر شكل الدولة خلال الثلاثين عاما الماضية.. والقبول بعدم محاكمة الرئيس السابق تحت أى ظرف يعنى أننا لن نصبح دولة.
رأي المدون
لقد كان لنا شكل الدوله ولكن كانت تدار بطريقة ( العزب )
فالقانون معطل حسب الأهواء وإرادة الحاكم فوق إرادة الشعب وبطانة الحاكم يحكمون ويفرضون سلطانهم ومصالحهم ومصالح أقربائهم في ظل حماية السلطان ... وهذا ما أدى إلى كل هذا الفساد.
لا يمكن أن تدار مصر مرة أخرى بهذه الطريقه أبدا ... وإلا كانت النتائج هي نفسها
يجب أن يولد من رحم الثورة الإحترام الكامل للقانون وتقليم أظافر الحاكم بإلغاء السلطات المطلقة التي منحها لنفسه
الدستور الجديد السليم هو الحل
التاريخ يسجل