عماد الدين حسين
السبت 4 أغسطس 2012 - 9:25 ص
رب ضارة نافعة.. المأساة التى حدثت أمام أبراج النايل سيتى طوال أمس الأول الخميس كشفت لنا أننا غارقون حتى رءوسنا فى دولة الإتاوات.
طبقا لرواية الأجهزة الأمنية وإدارة الأبراج فإن المسجل خطر عمر فتحى عامر وشهرته «البُنى» خرج من السجن فى قرار الافراج الأخير وذهب إلى الأبراج مطالبا بدفع الإتاوة التى كان يحصل عليها قبل دخوله السجن مقابل ضمان عدم مهاجمة بلطجية المنطقة للأبراج.
لم تستجب الإدارة لابتزاز «البنى» فحاول مهاجمة شرطة الحراسة بالأسلحة البيضاء فخرجت رصاصة قاتلة أصابته فى ظهره وتطور الأمر إلى محاولة أنصاره وأقاربه من أهل المنطقة مهاجمة الأبراج ما أدى إلى تدمير واجهة الأبراج وتدمير عشرات السيارات وتفحمها وخسائر مبدئية تقدر بحوالى سبعة ملايين جنيه.
هذه هى وجهة نظر الأمن وإدارة الأبراج، ولم أستطع الوصول للأسف إلى وجهة نظر الطرف الآخر، لكن ما نحن بصدده الآن ليس تفاصيل ما حدث، بل مغزى ما حدث.
فكرة الإتاوة وبدلا من القضاء عليها بعد الثورة، فإنها تتجذر وتترسخ وتكاد تتحول إلى منهج عمل فى كثير من مناحى حياتنا.
عندما يجبرك شخص مجهول على دفع مقابل ولو كان جنيها واحدا مقابل ركن سيارتك فى شارع عام متاح للجميع فهى إتاوة، حتى لو كانت تتم بالرضا أو التواطؤ المتبادل.
عندما يدفع غالبية رجال الأعمال مبالغ مالية باهظة لبعض بدو الساحل الشمالى مقابل تأمين فيللاتهم أو عماراتهم أو مشروعاتهم، فهى إتاوة عينى عينك.
عندما يدفع نفس رجل الأعمال نفس الإتاوة لبعض مشايخ القبائل فى السويس وسيناء مقابل عدم مهاجمة المصانع والشركات فهى إتاوة علنية، والأخطر أنها تتم فى هذا المكان بمباركة معظم أجهزة الدولة.
عندما تدفع هيئات وجامعات وإدارات رسمية فى الدولة مكافآت وحوافز لبعض رجال الأمن سواء كانوا أمناء شرطة أو ضباط أمن دولة، فهى إتاوة لشراء ولائهم، حتى لو كان ذلك يتم بأوراق رسمية عليها ختم النسر غير الشريف.
عندما كان جمال وعلاء مبارك يحصلان على عمولات هائلة من معظم المشروعات فهى الإتاوة فى أوضح صورها ومن أعلى جهة فى الدولة، اى من أولاد الرئيس.
وصار معروفا كيف كان الجميع يتسابق على إرضاء هذين النجلين، وآخرها ما تكشف من حصولهما على متر أرض بـ75 قرشا فى جمعية الطيارين بدلا من دفع 8 جنيهات، وقبلها الاتهامات الكثيرة الموجهة لهما بالتربح وغسيل الأموال نظير استغلال موقعهما كأبناء للرئيس السابق.
إذن ما فعله «البُنى» من ابتزاز محدود هو تطور طبيعى لسلوك عام يقوم به كثيرون، وينبغى علينا وبعد أن نلوم هذا المجرم الصغير وأمثاله أن نناقش الظاهرة فى جوهرها ونحاول تفكيكها حتى يسهل لنا علاجها.
لوم القتيل، وحبس رفاقه فقط، لن يحل المشكلة، بل ينبغى أن نسعى لتصفية دولة الإتاوات من جذورها.
هذه الدولة العميقة فى الفساد لن تتفكك إلا بتصفية رءوسها الكبيرة والأهم هدم الفكر الذى يؤصل ويمنهج لهذه الدولة الفاسدة.
النقطة الأولى للعلاج أن تكون لدينا دولة تطبق قانونا على الجميع، ثم شرطة فى خدمة الشعب حقا. لو كانت هناك شرطة فاعلة من البداية ما صار «البُنى» مسجلا خطرا، وما صار غيره مبتزا، بل ما دخل هذا الفيروس الخطير بعض قطاعات الشرطة نفسها.
لو كان لدينا شرطة مهنية تنفذ القانون على الجميع بالعدل ولو كان لدينا برلمان منتخب وأجهزة رقابة حقيقية وإعلام متحرر ومستقل، ما كنا سنعانى من البنى أو جمال مبارك وما بينهما من آلاف المبتزين وطالبى الإتاوات.
رأي المدون:
إن الشعوب على دين ملوكها.
عباره تناقلتها الأجيال تعبر على أن سلوك الحاكم دائما يكون نبراسا للتابعين له ودليل يوجه سلوكياتهم.
ظلت مصر ثلاثون سنه طويله يتصرف الحاكم فيها وكأنها عزبة خاصه به وبالمقارنه للعهود السابقة له عهد عبد الناصر والسادات كانت هناك خطوط حمراء لا يستطيع الحاكم ولا أبناءه أن يتخطوها مهما كانت الاسباب.
إتكسرت القاعده في عهد المخلوع وتدخلت الأطماع الشخصيه وحب السلطة والمال لكي تطغى على المبادئ والقيم وإنجرف معها أخلاق الشعب المصري أيضا لأن الشعوب على دين ملوكهم.
رأينا وسمعنا عن الإتاوات التي يفرضها المسئولين وعلى رأسهم أبناء المخلوع على الشركات الخاصه لتسهيل أعمالهم ووصلت الامور إلى حد المشاركة في الارباح بالاتفاق وعملا بقاعده ( فيها لأخفيها )
فرضت الاتاوات من المستويات العليا حتى وصلت إلى المستويات الدنيا فرأينا بأم أعيننا من يفرض الإتاوه على أصحاب الأراضي في المجتمعات العمرانيه الجديده والمناطق النائيه والساحليه حتى يستطيع أن يبني على أرضه دون أن يتم سرقته وسرقة مواد البناء الخاصه به.
وتطور الأمر إلى فرض إتاوة على الفنادق الكبرى والمنتجعات من بعض أفراد من البدو المنحرفين واللذين لا عمل لهم إلا فرض السطوه وكأنهم دوله داخل الدوله ثم تدرج الوضع ليصل إلى المدن والمراكز والقرى والنجوع والشوارع والحارات.
وصح القول الذي قال أن السمكة تفسد من رأسها وقد فسد رأس النظام سابقا ففسدت السمكة كلها.
ما الحل ؟ .... وما هو العلاج ؟.
لقد تم تغيير رأس السمكة وأصبحت لدينا قياده جديده نزيهه وشريفه تخشى الله قبل أن تخشى لومة لائم.
فكيف نستطيع أن نصلح جسم السمكة بعد ذلك؟
لقد تسمم هذا الجسم تسمم شبه كامل وأصبح يهدد كل من يقترب منه أو من مصالحه المكتسبه بالحرام.
ليس هناك حل إلا محاولة إصلاح الجسم كما إستطعنا أن نصلح الرأس ويتم ذلك بالتدريج ولكن بمنتهى الحزم حتى يشعر الجميع أن هناك عهدا جديدا قد بدأ وسوف يضرب بيد من حديد على كل من يحاول أن يسمم جسد هذه الأمة مرة أخرى.
لن نستطيع أن نبدل الشعب المصري بشعب آخر ولكن طبقا لمبدأ لا يصح إلا الصحيح يجب ألا نيأس ونعرف جيدا أن السكوت على الخطأ في أي مجال هو الذي يساعد على إستمراره ويجب أن يكون هناك شعور عام وموجه عارمه لدى الشعب في الرغبه في الإصلاح ومقاومة الفساد .. ولن يأتي ذلك إلا بالتصحيح المستمر من جانب الدوله وأهم ما يجب تصحيحة هو الإعلام الذي دائما يؤثر بشده على أفكار الشعوب.
إن العلاج لأي مريض لا يجلب الشفاء فورا فلابد من إستجابه الجسم أولا للعلاج ثم تبدأ فترة النقاهه التي تستمر وقت أخر ثم يليها فترة الشفاء ثم الوقايه وكل ذلك لابد أن يأخذ وقته.
والأهم من كل ذلك هو أن نبدأ في السير في هذا الطريق حتى تصلح السمكة بالكامل رأسها وجسدها ونرجع إلى طريق الأمان .
التاريخ يسجل .