علمتني .. الحياة (مشاهداتي وانطباعاتي من قاع المدينة) الحلقة الرابعة (قاع المدينة مستنقع خصب لنمو التطرف الديني) حلقة جديده ص 6

سأكتفي بتلك الملاحظات العشر على أن أترك لكم المجال للنقاش والمحاورة

وكنت أريد أن أقرب لكم الصورة بشخصية (الشيخ ريشه) في فيلم خالد يوسف (دم الغزال ) الا أنه لم يتطرق للشخصية كما ينبغي ولكنه أخذ طرفا منها

بخلاف أنني تعايشت وشاهدت تلك النوعيات على الحقيقة

أترككم في رعاية الله وأمنه على أمل اللقاء معكم في حلقة جديدة من حلقاتي (مشاهداتي وانطباعاتي في قاع المدينة)

لكم كل الحب

السلام عليكم،

أستاذنا الفاضل أبو أسامة حياك الله و بارك فيك و نفع بعلم حضرتك..أستسمح حضرتك في خط بعض كلمات متواضعات..

أخلص مما سبق الى الآتي:
1- اتخاذ الدين ستارا من أخطر ما يكون لأنه يضر بالدين أكثر مما ينفعه

ستارا نتدرع به من أهوال الشهوات و مكائد الكائدين..هو واجب كل من له دين، أن يَتَتَرَّسَ بمبادئ دينه التي ارتضاها..
أما أن يكون ستارا، ليتَسَتَّرَ البعض به و يخفي قبح المعدن و ضحالة الفهم، ثم يجبر الخلائق بسَبِّه و شتمه و يتعدى بيده (ضربا و زهقا للأرواح) أنَّ ما يقوله هو أصل الدين وحده و أنَّ ما يفهمه هو لب مقصد الشارع سبحانه و تعالى..فهته إحدى رؤوس الحية السبع..

الدين الحق أقحمت مع إسمه كلمات لا تمت له بصلة، من مثل: "إرهاب التطرف الديني"، "المتدينون المتطرفون"..و ألصقت كلمة الدين و مشتقاتها عنوة، مضافة إلى نعوت و أمراض الأخلاق الإنسانية..

الدين الحق كله خير و نفع..و الخطورة و الضر يأتي ممن يتقمص قميص يوسف..قميص بلون أبيض ظاهر لكن حقيقته سوداء مهلكة، سواد القلب الذي يلبسه..دم أحمر قان يدعي البعيد أنه بعطر المسك، و لم يدري أن رائحته (و اعذروني) تزكم الأنفاس..عَضَّةُ ذئبٍ بولغ في تمزيق القميص لها، من أجل أن يستعطف عوامَ الناسِ أَنَّهُ أوذي و أنه صاحب تضحية...لكن هيهات!

الدين الحق درع و قوة و مَنْعَةٌ و خير و نفع عام..له قداسته و عصمته الذاتية و رسالته نافذة غالبة ما بقي الليل و النهار..أما من لا يعرف له حقا و لا قدرا و من لا يتنفسه سرا و لا جهرا و يكيد له المكائد فذلك هو الخاسر حتما!

2- الدين ليس مظهر ولا تقصير ثوب وتطويل لحى وانما الدين ما وقر في القلب وصدقه العمل

المظاهر لا تطلب لذاتها و قد تكون طقوسَ شعوبٍ في أقاصي الدنيا..هي فولكلور ثقافي، من بيئة الأرض، إرتضته تلك الشعوب و لا تلزم به أحدا..و لله في خلقه شؤون، في مظاهر الناس و عادات اللباس و التزين...نقبل أو نرفض، تلك قصة أخرى!

الدين الحق مظهر جميل و ملبس نظيف أنيق..و نورٌ على مُحَيَّا المؤمن من أثر التَطَهُّرِ بِطَهُورِ الماء أمدادا أمدادا في اليوم و الليلة..الجمال و الكمال الظاهر عندما يُتَوِّجُ جمال الباطن و كمال خِصَاله و خِلالِه الراقية و النبيلة، نكون أمام النموذج الطيب الذي يحتفي به الدين الحق.

ما يقر به القلب يَلْزَمُهُ يقين إيمان و ما يُصدِّقُهُ العمل يَلْزَمُهُ أُسُسٌ و بُنْيَانْ..و كلا الأمرين يلزمها مَزِيدُ بيان، من علماء الأمة و أخيارها..لأن أدواء القلب إستحكمت و ران الصدأ عليها و الأيدي العاملة أصابتها سِنَةُ الكسل و التواكل..ليت شعري! لا نريد أن نستأصل القلوب العليلة و لا الأيادي الكليلة قبل استنفاد كل الوسع...أما قلبا أو يدا أصيبتا بالغرغرينة (يحفظكم الله أحبتي و يحميكم) فالبتر البتر!، ثم نعالج ما تبقى من حطام الجسد و النفس على السواء ببلسم الدين الحق..

3- الأخذ بظاهر النصوص بما هو في مصلحتهم وعدم تطبيق أصول الدين فيما هو ثقيل عليهم هذا هو قمة النفاق
4- يجب توللي الزوايا لعلماء من المؤسسة الدينية وليس تركها لمن هب ودب للامامة والقاء الدروس والمفاهيم الخاطئة لان ذلك ينشء أجيالا تضر الاسلام وأهله
5- الأخذ بيد من حديد على من يرتدي عباءة الدين وهو أبعد ما يكون عنه
6- كل من يقتنع بأن من لا يطلق لحيته ويقصر ثوبه خارج عن الدين يحتاج الى مصحة نفسيه تعالجه
7- كل من يقتنع ان التعليم حرام ومرتبات الدولة ربا ولا يجوز العمل بها عليه الا يذهب للطبيب اذا مرض ولده وعليه الا يركب الاتوبيس اذا اراد الذهاب للاسواق وليركب الجمل والحمار وعليه الا يشاهد التلفاز خفية من وراء زوجاته واولاده بحجة انه حرام
8- يجب تقنين تعدد الزوجات بمعنى أن يكون لحاجة من نحو مرض الزوجة او عدم انجابها وهذا هو روح النص لكن أن يتزوج اربعه وينجب خمسة عشر اذن الاجمالي عشرين وهو لا يستطيع أن ينفق على نفسه فقط فهذا ليس من الدين في شيء
9- دائما هؤلاء (المخبولون فكريا ) يلتفون حول بعضهم البعض مما يكونون خلايا ومن تلك الخلايا جماعات تكون هدفها التدمير وهذا أخطر ما في الموضوع
10- مناقشة هؤلاء فكريا من المعتدلين يحتاج الى مجهود مضن بل ربما يعرضون أنفسهم وأرواحهم للخطر لأن هؤلاء مازالت دماء الجاهلية تسري في عروقهم وأن كل شيء عندهم بالفهلوة والقوة كما اعتادوا عليها في جاهليتهم ومثل هؤلاء ما اتخذوا هذا الطريق الا هروبا من واقعهم ومداراة على أفعالهم الدنيئة.

لا يكون التدين إلا فهما صحيحا و عملاً خَيِّرًا صريحًا..المرجع لأهل الإختصاص و الراسخون في العلم. و القدوات الثقة ذوات العلم النافع و السلوك القويم و القريبةِ من الناس هو ما نرجو أن يملأ نصف الكأس..يسيرون في الناس بأخلاق طيبة و يعلمونهم بفهم صحيح و يشفقون عليهم و يرحمونهم..هذا إنسان بسيط يجهل من دينه أمرا، لا ننعته بالـ "الجاهل" و نُنَكِّلُ به، بل نعلمه و نرشده بالحسنى..و أكثر!، يبحث العلماء الأصلاء عن هؤلاء الناس بحثا حثيثا و صادقا ليستنير الجميع..قد يكتفي بعض "من يَدْعُون إلى الدين" بحلقات على الشاشات بحجة المُشَاهَدِيَّةِ المليونيةِ (التي تحكمها قوانين التجارة التي لا تعترف إلا بصك الدرهم على الدرهم فقط) و يركنون إلى أنَّ "الرسالة الدعوية" وصلت و قد أدوا "فريضة البلاغ" و "أسقطت عنهم"..أعجب!

لا بد من علماء أصلاء يُمَكَّنُ لهم، مدادهم كلمة الحق حيثما كانت..لنصيحتهم تَشْرَئِبُّ أعناق المسؤولين و يتحلَّق حولهم طلاب العلم من كل المشارب لينهلوا من بحر العلم الزاخر و أخلاق الأدب الراقي..

صناعة أجيال المستقبل تبدأ بعجينة طريَّة بين أيدي هؤلاء العلماء الأصلاء، هم المربون، أصحاب القدوة الحقيقية، تتعدَّد إختصاصاتهم بتنوع مجالات الحياة..و قد تبدأ بأن أُعَلِّمَ إبني أو إبنتي جمال حروف لغة الضاد ثم يتشربا فصاحة عباراتها و بديع معانيها..

تحزن لمَّا ترى و تسمع من أنَّ شبابا عطشهم للـرسائل القصيرة (SMS) أكبر من خَطِّ دروس العلم النافع..يهيمون على وجوههم بتتبع أصواتٍ و وجوهٍ أتقنت إراقة ماء الحياء، إذا كان فيها بقية حياء..يَتَحَلَّقُونَ حول خيالات على شاشات أو على صفحات الإنترنت و يعتمدون (يجعلونهم مرجعا) من أفواه تلك النماذج المزعومة كل كلمة، كل رأي..يصلح فقط أن يضرب به عرض الحائط..لا حَجْرًا على ذي رأي، بل نغربل الغث من السمين و النافع من الضار و نُقَدِّمُ أصحاب المواهب الحقيقية لا الفارغة و نُبَدِّلُ الوجوه ذاتها المكفهرَّة التي تطل علينا في عديد من القنوات، كأنما عقمت الأمة العربية و الإسلامية أن تنجب غير هؤلاء!!..يقيني أن الخير موجود و نماذج الفهم و العلم الحقيقي راسخة لن تنضب من أرض الأمة الخصبة..

لماذا يقف أولو الفضل مكتوفي الأيدي و ترسانات الإعلام في العالم تُجَنِّدُ مصائد الجذب لاصطياد الشباب و إيقاعهم في شراك الإنحراف و الإبتعاد عن كل ما هو "ديني" كأنما أصبح سُبَّةً أو عارا..أمَّا الإبتذال و السَّخافة فحرية و انفتاح و مكفول بلوائح القوانين..فترى شبابا حائرا، بين أمثلة "التَدَيُّنِ المُزَيَّفِ" تَدْعُوهم إلى المشي على الماء و السباحة في السماء دون عُدَّةٍ أو آلة..و بين أمثلة "الإنفتاح و التحضر" (قُلِ العولمةَ إن شئت..لها جرس ساحر خَدَّاع!) فتغتر بـ"شو" الفضائيات و الإمتلاك السهل لكل الملذات..فيصبح سؤال: "ما رأي (كلمة رأي..هنا الشاهد) الدين في المسألة الفلانية" مشروعا و مستساغا و يمر مرا..و يصبح سؤال: "ما رأي فلان في حكم من أحكام الدين الحق"، فينطلق هذا "الفلان"، ذو الصولجان صاحب "الكرفاتَّه"، في الإسترسال برأيه، بذكر الأحاديث و تفسير الآيات و الرد على علماء الأمة الأخيار، الأحياء منهم و الأموات (رحمة الله عليهم)..لا يوقفه أحد، يرعد و يزبد و يعلو صوته و ينخفض..."فارس هو و مغوار"، إلا فاصل تجاري تُلْزِمُهُ به منشطة أو منشط الحلقة..الحلقة مدفوعة الأجر و أجره (الفلان) مدفوع من مداخيل الفاصل التجاري..إذن عليه أن يصمت!!..

تهرع كل الأمم الناضجة و الواعية لمصيرها إلى علمائها، إلى صلحائها، إلى كبرائها من ذوي الحكمة و المشورة و الخبرة في شتى مناحي الحياة..لتعالج المُؤَقَّتَ و المُزْمِنَ، كُلٌ مُكلَّفٌ بمهمةٍ يستنفد جهده بتؤدة و إخلاص..رحم الله أقواما قالوا: "يا مالك (سيدنا مالك صاحب المذهب، رضي الله عنه و أرضاه) أفتنا في المسألة الفلانية"..قالوا: "لبيك يا صلاح الدين..تحت راية الحق معك نقاتل حتى آخر رجل"..أولائك هم الناس..

أمَّا عن خَلْفٍ، تعرفونهم و أعرفهم..واحسرتاه!، مصائب الدنيا فوق رؤوسهم و المكائد تحاك وراء ظهورهم لكنهم! لا يبالون و في سباتٍ كالموتى يَغُطُّون.. يقيمون "لجان البحث و التوصيات" لتَرْفَعَ (الترتيب تصاعدي) ما توصلتْ إليه إلى "لجان الصياغة و التدقيق في الحيثيات" ثم ترفع إلى "لجان التنديد و الشَّجْب بأَلْيَقِ العبارات" ثم ترفع..ثم ترفع..ثم تصل إلى "هنا تعجز الكلمات " و يُقَرِّرُونَ في لحظة تجليات بكلمات ليست كالكلمات عن أنَّ البحث مستمر و للدول قوانين و عهود و الإتصالات جارية على مستوى رفيع..تأتي بعد ذلك و قبل ذلك و بعده معزوفات أوركسترا الأقلام و الفضائيات بـ "تحليلات إستراتيجية" من "محلِّلين إستراتيجيين"، يلبسون أفخم البزَّات و يضعون شيئا من مُرَطِّبِ الشعر(تلك لوازم المشاهدية المليونية..عجبي!) يفهمون الدقيق و الحنطة  من الأمور..أقصد كل صغيرة و كبيرة!...و يُؤَوِّلُون تلك الكلمات التي ليست ككل الكلمات بأن يصبغوا عليها و على قائليها هالات الحكمة و التقدير الصحيح للأمور و يتفنَّنُون في نشرات الأخبار السريعة و المُطوَّلة في بحث كل وجوه ذلك الأمر المستجد...و يــــا ليتهم! يخرجون بشيء طائل من كل ذلك الجهد الجهيد!

نريد نماذج للخير و النهضة تمشي على رجلين بين الناس..لا نريد ملصقات على طريقة "الإنتخابات السياسية الـ(تُرِكَ عَمْدًا) أقصد النزيهة!!" و لا شعارات تَمُتُّ بكل صلة إلى الهذيان و لا تَمُتُّ بأي صلة لاحترام عقول الناس..

أُمٌ و أَبٌ من طراز سيدات و سادة المنتدى الطيب كفيل بتنشئة جيل المستقبل المنشود..علماء ذوو رسوخ في علومهم كفيل بصبغ جيل المستقبل بعقول علمية مُتَفَتِّحَةٍ على كل الآفاق..مربون مخلصون كفيل باستئصال أمراضٍ باطنةٍ و ظاهرةٍ..غذاء كل ذلك الإستمساك بدين الحق و حُرِّيَةً تَهُبُّ كنسمات الصباح غامرة كل الصدور بالفرحة و النشاط..

الهموم سموم و التداعيات متشابكة و "التطرف الديني"..عبارة تُعُمِّدَ إلصاقها بالدين الإسلامي الحنيف وحده، يجب التنبه لذلك..و أسباب "التدين المُزَيَّف" تتعدى أسباب المادة و انتكاسات الفهم و أدواء الباطن (و هي ذات دور حقيقي و مُقَرَّرٍ) و حتى "السياسي الفاسد" كان له و ما زال دور في استفحال الداء..إلى أعماق يجب سبر حقيقتها و العمل على تصنيع أدوية فعالة لها..



أخوكم زين العابدين